الطاهرة بنص آية التطهير عن هذه الخزاية، فلم يبق إلا شق ثالث وهو: إنها كانت تتهم الراوي، أو تعتقد خللا في الرواية، وتراه حكما خلاف الكتاب والسنة، وهذا الذي دعاها إلى أن لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتج المجلس، ثم مهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم، وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله. ثم قالت ما قالت وفيما قالت: أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ يا بن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟
لقد جئت شيئا فريا، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والوعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون. ثم انكفأت إلى قبر أبيها صلى الله عليه وآله فقالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب فليت بعدك كان الموت صادفنا * لما قضيت وحالت دونك الكثب (1) وهذا الذي تركها غضباء على من خالفها وتدعو عليه بعد كل صلاة حتى لفظت نفسها الأخيرة صلى الله عليها كما سيوافيك تفصيله.
وهل هذا الحكم مطرد بين الأنبياء جميعا؟ أو أنه من خاصة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؟
والأول ينقضه الكتاب العزيز بقوله تعالى: وورث سليمان داود - النمل 16 - و قوله سبحانه عن زكريا: فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب - مريم 6 -.
ومن المعلوم أن حقيقة الميراث انتقال ملك الموروث إلى ورثته بعد موته بحكم المولى سبحانه، فحمل الآية الكريمة على العلم والنبوة كما فعله القوم خلاف الظاهر لأن النبوة والعلم لا يورثان، والنبوة تابعة للمصلحة العامة، مقدرة لأهلها من أول