نبي هذه الأمة، وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم. قالت أم أيمن: وعيت ذلك كله من كلامهما (1) أبعد هذه كلها، وبعد تلكم الإرهاصات للنبوة التي ملأت بين الخافقين، وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوخ الأقطار، وبعد مضي خمسون سنة من عمره الشريف صلى الله عليه وآله رسول الله شاب لا يعرف وأبو بكر شيخ يعرف، يسأل عنه: من هذا الغلام بين يديك؟
ولايضاح هذه الجمل من الحري أن نسرد كيفية هجرته صلى الله عليه وآله حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الإفك من هذه المجهلة المأثورة في الصحاح والمسانيد الصادرة عن الغلو في الفضائل عميا وصما. فأقول:
* (الأنصار في البعتين) * كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على القبائل في المواسم إذا كان يدعوهم إلى الله ويخبرهم إنه نبي مرسل فعرض نفسه على كندة. وعلى بني عبد الله بطن من كلب. وعلى بني حنيفة. وعلى بني عامر بن صعصعة. وعلى قوم من بني عبد الأشهل.
فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وآله وإنجاز موعده له خرج صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وفيهم:
أسعد بن زرارة أبو أمامة النجاري. وعوف بن الحرث بن عفراء. ورافع بن مالك. وقطبة بن عامر بن حديدة. وعقبة بن عامر بن نابي. وجابر بن عبد الله.
فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم الاسلام، وتلا عليهم القرآن فأجابوه فيما دعا إليهم ثم انصرفوا عنه صلى الله عليه وآله راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا.
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة الأولى فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب. وهم: