العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، وكانت (1) الاخبار عنك إلى علم الناس بك، وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الاسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره، والتحريض (2) عليه، ووضع المعائب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة، أو يرفع له ذكرا، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عينا (3) واحدة، أدركته عيون كثيرة، وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلي حلبتها، كل من بزغ فيها بعده، فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى، إلى آخر ما قال في ذلك (4).
وقال صاحب مدينة المعاجز: وأما ما جاء في فضل علي أمير المؤمنين عليه السلام، فأحاديثه لا تحصى، وآثاره لا تستقصى، فمن طريق المخالفين ما ذكر صاحب ثاقب المناقب، عن محمد بن عمر الواقدي، قال: كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في يوم عرفة، فقعد ذات يوم وحضره الشافعي وكان هاشميا يقعد إلى جنبه، وحضر محمد بن الحسن وأبو يوسف فقعدا بين يديه، وغص المجلس بأهله، فيهم سبعون رجلا من أهل العلم، كل منهم يصلح أن يكون إمام صقع من الأصقاع.
قال الواقدي: قد خلت في آخر الناس، فقال الرشيد لم تأخرت، فقلت: ما كان