ثم انحنى على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض، فقال: يا أبا هاشم انزل فخذ واكتم.
فنزلت فإذا سبيكة ذهب، قال: فوضعتها في خفي وسرنا، فعرض لي الفكر، فقلت: إن كان فيها تمام الدين، وإلا فإني أرضي صاحبه بها، ونحب (1) أن ننظر [الآن] (2) في وجه نفقة الشتاء، وما تحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها، فالتفت إلي، ثم انحنى ثانية، فخط بسوطه مثل الأولى، ثم قال: إنزل وخذ واكتم.
قال: فنزلت، فإذا بسبيكة [فضة] (3) فجعلتها في الخف الآخر وسرنا يسيرا، ثم انصرف إلى منزله، وانصرفت إلى منزلي، فجلست وحسبت ذلك الدين، وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب، فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه، فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه، على الاقتصاد بلا تقتير ولا إسراف، ثم وزنت سبيكة الفضة، فخرجت على ما قدرته ما زادت ولا نقصت (4).
وعنه رضي الله عنه، قال: دخلت على أبي محمد عليه السلام، وكان يكتب كتابا فحان وقت الصلاة الأولى، فوضع الكتاب من يده وقام إلى الصلاة، فرأيت القلم يمر على باقي القرطاس من الكتاب ويكتب حتى انتهى إلى آخره، فخررت ساجدا، فلما انصرف من الصلاة أخذ القلم بيده وأذن للناس (5).
أقول: هذا قليل من كثير ما شاهده أبو هاشم من آياته ودلائله، فقد روى عنه، رحمه الله، قال: ما دخلت على أبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام [يوما] (6) قط إلا رأيت منهما دلاله وبرهانا (7).