منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته، فوجه إليه ليلا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله، على غفلة ممن في داره، فوجده في البيت وحده، مغلق عليه، وعليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجها إلى ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأخذ على ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفني منه، فعافاه، وقال:
أنشدني شعرا استحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم * فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد ما قبروا * أين الأسرة والتيجان والحلل؟
أين الوجوه التي كانت منعمة؟ * من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا وطالما عمروا دورا لتحصنهم * ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا وطالما كنزوا الأموال وادخروا * فخلفوها على الأعداء وارتحلوا أضحت منازلهم قفرا معطلة * وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا قال: فأشفق [كل] (1) من حضر على علي [بن محمد] عليه السلام، وظنوا أن بادرة تبدر منه إليه، قال: والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن أعليك دين؟ قال: