أخراوتين، فلما طال وقوفي وخفت أن يسأل عني هارون وحانت منه تسليمة فشرعت في الكلام فامسك، وقد كان قال لي هارون: لا تقل (1) بعثني أمير المؤمنين إليك، ولكن قل: بعثني أخوك، وهو يقرئك السلام ويقول لك: انه بلغني عنك أشياء أقلقتني فأقدمتك إلي، وفحصت عن ذلك فوجدتك نقي الجيب، بريئا من العيب، مكذوبا عليك فيما رميت به، ففكرت بين اصرافك إلى منزلك ومقامك ببابي، فوجدت مقامك ببابي أبرأ لصدري، وأكذب لقول المسرعين فيك، ولكل انسان غذاء قد اغتذاه وألفت عليه طبيعته، ولعلك اغتذيت بالمدينة أغذية لا تجد من يصنعها لك ها هنا، وقد أمرت الفضل أن يقيم لك من ذلك ما شئت، فمره بما أحببت وانبسط فيما تريده، قال: فجعل عليه السلام الجواب في كلمتين من غير أن يلتفت إلي، فقال: لا حاضر مالي فينفعني، ولم أخلق سؤولا الله أكبر.
ودخل في الصلاة، قال: فرجعت إلى هارون فأخبرته، فقال لي: فما ترى في أمره؟ فقلت: يا سيدي لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها، ثم قال: لا أخرج منها ما خرج منها، قال: هو كما قلت ولكن مقامه عندي أحب إلي.
وروى غيره، قال: قال هارون: إياك أن تخبر بهذا أحدا، قال: فما أخبرت به أحدا حتى مات هارون (2).
وروى الشيخ عن محمد بن غياث في خبر، قال: قال هارون ليحيى بن خالد:
انطلق إليه عليه السلام، وأطلق عنه الحديد وأبلغه عني السلام، وقل له يقول لك ابن عمك:
أنه قد سبق مني فيك يمين إني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة وتسألني العفو عما سلف منك، وليس عليك في اقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة، وهذا يحيى ابن خالد هو ثقتي ووزيري وصاحب أمري، فسله بقدر ما اخرج من يميني وانصرف راشدا، قال محمد بن غياث: فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد أن أبا