رفع ثني الوسادة، فاخرج منها إضبارة كتب فرمى بها إليه، وقال: هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي وأن يبايعونك (1) دوني، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا استحل ذلك ولا هو من مذهبي، وإني لممن (2) يعتقد طاعتك على كل حال، وقد بلغت من السن ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته، فصيرني في بعض حبوسك (3) حتى يأتيني الموت، فهو مني قريب، فقال: لا ولا كرامة، ثم أطرق وضرب يده إلى السيف فسل منه مقدار شبر وأخذ بمقبضه، فقلت: إنا لله ذهب والله الرجل، ثم رد السيف وقال (4): يا جعفر أما تستحيي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل، وتشق عصا المسلمين، تريد أن تريق الدماء وتطرح الفتنة بين الرعية والأولياء، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي، فانتضى من السيف ذراعا، فقلت: إنا لله مضى الرجل، وجعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه، لأنني ظننت انه يأمرني أن آخذ السيف فاضرب به جعفرا فقلت: إن أمرني ضربت المنصور وإن أتى ذلك علي وعلى ولدي، وتبت إلى الله عز وجل مما كنت نويت فيه أولا فأقبل يعاتبه، وجعفر يعتذر، ثم انتضى السيف إلا شيئا يسيرا منه، فقلت: إنا لله مضى والله الرجل، ثم أغمد السيف وأطرق ساعة، ثم رفع رأسه وقال: أظنك صادقا يا ربيع هات العيبة من موضع كانت فيه في القبة، فأتيته بها، فقال: ادخل يدك فيها فكانت مملوءة غالية (5) وضعها في لحيته وكانت بيضاء فاسودت، وقال لي: أحمله على فاره من دوابي التي أركبها، وأعطه عشرة آلاف درهم، وشيعه إلى منزله مكرما، وخيره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكر مه، والانصراف إلى مدينة جده رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرج بسلامة جعفر عليه السلام،
(١٦٧)