نادى خزيمة: قتلت راشدا ورب الكعبة، فانهزم القوم وانكسروا وأجفلوا إجفال النعام وأطلوا عليهم كقطع الغمام 1، واستبشر أصحاب المختار، وحملوا على خيل الكوفة فجعلوا صفو حياتهم كدرا، وساقوهم حتى أوصلوهم إلى الموت زمرا، حتى أوصلوهم السكك، وأدخلوهم الجامع، وحصروا الأمير ابن مطيع ثلاثا في القصر، ونزل المختار بعد هذه الوقعة جانب السوق، وولى حصار القصر إبراهيم بن الأشتر.
فلما ضاق عليه وعلى أصحابه الحصار وعلموا أنه لا تعويل لهم على مكر، ولا سبيل إلى مفر، أشاروا عليه أن يخرج ليلا في زي امرأة ويستتر في بعض دور الكوفة ففعل وخرج حتى صار إلى دار أبي موسى الأشعري فآواه، 2 وأما هم فإنهم طلبوا الأمان فآمنهم وخرجوا وبايعوه وصار يمنيهم ويستجر مودتهم ويحسن السيرة فيهم.
ولما خرج أصحاب ابن مطيع من القصر سكنه المختار ثم خرج إلى الجامع و أمر بالنداء: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس ورقى المنبر ثم قال: الحمد لله الذي وعد وليه النصر، وعدوه الخسر، وعدا مأتيا، وأمرا مفعولا، وقد خاب من افترى، أيها الناس مدت لنا غاية، ورفعت لنا راية، 3 فقيل في الراية ارفعوها ولا تضيعوها 4، وفي الغاية خذوها ولا تدعوها، فسمعنا دعوة الداعي، وقبلنا قول الراعي، فكم من باغ و باغية، وقتل [- ى] في الراعية، ألا فبعدا لمن طغى وبغى، وجحد ولغى، وكذب و تولى، ألا فهلموا عباد الله إلى بيعة الهدى، ومجاهدة الأعداء والذب عن الضعفاء من آل محمد المصطفى، وأنا المسلط على المحلين 5، المطالب 6 بدم ابن نبي رب العالمين، أما و منشئ السحاب، الشديد العقاب، لأنبشن قبر ابن شهاب المفتري الكذاب، المجرم المرتاب، ولأنفين الأحزاب إلى بلاد الاعراب، ثم ورب العالمين لأقتلن أعوان الظالمين، وبقايا القاسطين.
ثم قعد على المنبر ووثب قائما وقال: أما والذي جعلني بصيرا، ونور قلبي تنويرا، لأحرقن بالمصر دورا، ولأنبشن بها قبورا، ولأشفين بها صدورا، ولأقتلن بها