الأرض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن، قد سفت عليه السوافي، وبدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها، زواره وحوش القفار، وندبته جن السهول والاوعار، (و) قد أضاء التراب من أنواره، وأزهر الجو من أزهاره.
فلما رأته الطيور، تصايحن وأعلن بالبكاء والثبور، وتواقعن على دمه يتمرغن فيه، وطار كل واحد منهم إلى ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فمن القضاء والقدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول، وجاء يرفرف والدم يتقاطر من أجنحته ودار حول قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله يعلن بالنداء: ألا قتل الحسين عليه السلام بكربلا، ألا ذبح الحسين بكربلا! فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون.
فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، وشاهدوا الدم يتقاطر من الطير، لم يعلموا ما الخبر حتى انقضت مدة من الزمان، وجاء خبر مقتل الحسين عليه السلام علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل ابن فاطمة البتول، وقرة عين الرسول صلى الله عليه وآله.
وقد نقل أنه كان في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلى المدينة، كان في المدينة رجل يهودي له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة، والجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطائر والدم يتقاطر منه، ووقع على شجرة، يبكي طول ليلته، وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان وتركها في البستان الذي جاء الطير ووقع فيه، فمن القضاء والقدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة، والبنت لما نظرت أباها لم يأت 1 تلك الليلة لم يأتها نوم لوحدتها، لان أباها كان يحدثها ويسليها حتى تنام.
فسمعت عند السحر بكاء الطير وحنينه، فبقيت تتقلب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير، فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب