وترك الاعمال، أو الراحة والسكون.
" أحباء لا يتزاورون " الأحباء بالموحدة جمع حبيب، كخليل، وأخلاء، أي هم أحباء لتقاربهم بأبدانهم أو لأنهم كانوا أحباء قبل موتهم في الدنيا، وفي بعض النسخ المصححة الاحياء بالمثناة التحتانية، فالظاهر أنه جمع حي بمعنى القبيلة، قال الجوهري: الحي واحد أحياء العرب، ويحتمل أن يراد أنهم أحياء بنفوسهم لا يتزاورون بأبدانهم.
" بليت بينهم " أي اندرست أسباب التعارف بينهم، والسبب في الأصل الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شئ ذكره الجزري، وقيل: لفظة جنب موضوعة في الأصل للمباعدة، ومنه قولهم الجار الجنب أي جارك من قوم آخرين، ولذا يقولون فلان في جانب الهجر، وفي جانب القطيعة، ولا يقولون في جانب المواصلة، والظعن السير، والجديدان الليل والنهار، والسرمد الدائم.
وقال ابن أبي الحديد: ليس المراد أنهم وهم موتى يشعرون بالوقت الذي ما توا فيه، ولا يشعرون بما يتعقبه من الأوقات، بل المراد أن صورة ذلك الوقت لو بقيت عندهم لبقيت من غير أن يزيلها وقت آخر يطرؤ عليها، ويجوز أن يفسر على مذهب من قال ببقاء الأنفس فيقال: إن النفس التي تفارق ليلا تبقى الليلة والظلمة حاصلة عندها أبدا، ولا تزول بطريان نهار عليها، لأنها قد فارقت الحواس فلا سبيل لها إلى أن يرتسم فيها شئ من المحسوسات بعد المفارقة، وإنما حصل ما حصل من غير زيادة عليه وكذلك الأنفس التي تفارق نهارا.
" مما قدروا " أي تصوروا وجعلوا له مقدارا بأوهامهم.
" فكلا الغايتين " اللام العهدي في الكلام إشارة إلى الغايتين المعهودتين بين المتكلم والمخاطب. أي غاية السعداء والأشقياء، ويحتمل أن يكون المراد بالغاية امتداد المسافة أي مدة البرزخ [أو منتهى الامتداد وهو البرزخ] لأنه غاية حياة الدنيا، وهو يمتد إلى أن ينتهى إلى مباءة هي الجنة أو النار.
ويحتمل أن يكون إشارة إلى الغايتين المفهومتين من الفقرتين السابقتين