صار حظا عاجلا في الدنيا، ولكنا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعد هذا من الدنيا أصلا، بل قلنا إنه من الآخرة وكذلك العابد قد يأنس بعبادته ويستلذها بحيث لو منعت عنه لكان ذلك أعظم العقوبات عليه، وهذا أيضا ليس من الدنيا المذمومة.
الثاني وهو المقابل للقسم الأول على الطرف الأقصى كل ما فيه حظ عاجل ولا ثمرة له في الآخرة أصلا، كالتلذذ بالمعاصي، والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورات والحاجات الداخلة في جملة الرفاهية والرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث والغلمان والجواري والخيول والمواشي والقصور، والدور المشيدة ورفيع الثياب ولذائذ الأطعمة، فحظ العبد من هذه كلها هي الدنيا المذمومة، وفيما يعد فضولا وفي محل الحاجة نظر طويل.
الثالث وهو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على أعمال الآخرة كقدر القوت من الطعام والقميص الواحد الخشن، وكل ما لا بد منه ليتأتى للانسان البقاء والصحة التي بها يتوصل إلى العلم والعمل، وهذا ليس من الدنيا كالقسم الأول لأنه معين على القسم الأول، ووسيلة إليه، فمهما تناوله العبد على قصد الاستعانة على العلم والعمل، لم يكن به متناولا للدنيا ولم يصربه من أبنائها، وإن كان باعثه الحظ العاجل، دون الاستعانة على التقوى، التحق بالقسم الثاني، وصار من جملة الدنيا.
ولا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث: صفاء القلب، وأنسه بذكر الله وحبه لله، وصفاء القلب لا يحصل إلا بالكف عن شهوات الدنيا. والانس لا يحصل إلا بكثرة ذكر الله، والحب لا يحصل إلا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر.
فهذه الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت، وهي الباقيات الصالحات، أما طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات، إذ تكون جنة بين العبد وبين عذاب الله وأما الانس والحب فهما من المسعدات، وهما موصلان العبد إلى لذة