سبحانه عن قوم تمنوا حال قارون حيث قالوا " يا ليت مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقيها إلا الصابرون * فلما خسف الله به وبداره الأرض أصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون " (1) وانتفاء الخسف الظاهري بأهل الأموال والتجبر من هذه الأمة لا يوجب انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية ومهاوي التعلقات الجسمانية، والحرمان عن درجات القرب والكمال، وخسفهم في الآخرة في عظيم النكال وشديد الوبال، أعاذنا الله وساير المؤمنين من جميع ذلك وسهل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الأحوال.
" ومن لم ير أن لله عليه نعمة إلا في مطعم " اي من توهم أن نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها، فإذا فقدها أو شيئا منها ظن أنه ليس لله عليه نعمة، فلا ينشط في طاعة الله، وإن عمل شيئا مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه لا ينفعه ولا يتقبل منه، فيكون عمله قاصرا وعذابه دانيا، لأن هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الايمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة والصحة ودفع شر الأعادي وغيرها بما لا يحصى، بل هذا الفقر أيضا من أعظم نعم الله عليه " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (2).
وقال بعض المحققين: معنى الحديث أن من لم يصبر ولم يسل أو لم يحسن الصبر والسلوة على ما رزقه الله من الدنيا، بل أراد الزيادة في المال أو الجاه مما لم يرزقه الله إياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة، على ما يراه في يدي غيره ممن فاق عليه في العيش، فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه، فهو لم ير أن لله عليه