لأنهما إذا كانا ملكين نزلا بصورة البشر لهذا الغرض فلا بد من رسول في وقتهما ليكون ذلك معجزة له، ولا يجوز كونهما رسولين، لأنه ثبت أنه تعالى لا يبعث الرسول من الملائكة إلى الانس - والله أعلم -.
المسألة الخامسة: " هاروت وماروت " عطف بيان لملكين، علمان لهما وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف، ولو كانا من الهرت والمرت وهو الكسر كما زعم بعضهم لانصرفا، وقرأ الزهري " هاروت وماروت " بالرفع: على: هما هاروت وماروت، وأما قوله تعالى " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة " فاعلم أنه تعالى شرح حالهما فقال: وهذان الملكان لا يعلمان السحر إلا بعد التحذير الشديد من العمل به، وهو قولهما " إنما نحن فتنة " والمراد ههنا بالفتنة المحنة التي بها يتميز المطيع عن العاصي، كقولهم " فتنت الذهب بالنار " إذا عرض على النار ليتميز الخالص عن المشوب. وقد بينا الوجوه في أنه كيف يحسن بعثة الملكين لتعليم السحر، فالمراد أنهما لا يعلمان أحدا السحر ولا يصفانه لاحد ولا يكشفان له وجوه الاحتيال حتى يبذلا له النصيحة، فيقولا له " إنما نحن فتنة " أي هذا الذي نصفه لك وإن كان الغرض فيه أن يتميز السحر (1) من المعجز ولكنه يمكنك أن تتوصل إلى المفاسد والمعاصي، فإياك بعد وقوفك عليه أن تستعمله فيما نهيت عنه، أو تتوصل به إلى شئ من الأغراض العاجلة.
أما قوله: " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في تفسير هذا التفريق وجهين: الأول أن هذا التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق فيصير كافرا وإذا صار كافرا بانت منه امرأته، فيحصل التفريق بينهما. الثاني يفرق بينهما بالتمويه والتخييل (2) والتضريب وسائر الوجوه المذكورة.
المسألة الثانية: أنه تعالى لم يذكر ذلك لان الذي يتعلمون منهما ليس