الثاني: المراد منه أن الملائكة لهم تأثيرات في قلوب بني آدم على سبيل الإلهامات، فهم يزجرونهم عن المعاصي زجرا.
الثالث: لعل الملائكة أيضا يزجرون الشياطين عن التعرض لبني آدم بالشر (1) والإيذاء وأقول: قد ثبت في العلوم العقلية أن الموجودات على ثلاثة أقسام: مؤثر لا يقبل الأثر وهو الله سبحانه وهو أشرف الموجودات، ومتأثر لا يؤثر، وهو عالم الأجسام وهو أخس الموجودات، وموجود يؤثر في شئ ويتأثر عن شئ آخر وهو عالم الأرواح، و ذلك لأنها تقبل الأثر عن عالم كبرياء الله ثم إنها تؤثر في عالم الأجسام. واعلم أن الجهة التي باعتبارها تقبل الأثر من عالم كبرياء الله غير الجهة التي باعتبارها تستولي على عالم الأجسام وتقدر على التصرف فيها، وقوله " فالتاليات ذكرا " إشارة إلى الأشرف من الجهة التي باعتبارها يقوى على التأثير في عالم الأجسام إذا عرفت هذا فقوله " والصافات صفا " إشارة إلى وقوفها صفا صفا في مقام العبودية والطاعة والخضوع والخشوع، وهو الجهة التي باعتبارها تقبل تلك الجواهر القدسية أصناف الأنوار الإلهية والكمالات الصمدية، وقوله تعالى " فالزاجرات زجرا " إشارة إلى تأثير الجواهر الملكية في تنوير الأرواح القدسية البشرية، وإخراجها من القوة إلى الفعل، وذلك أنه (1) كالقطرة بالنسبة إلى البحر، وكالشعلة بالنسبة إلى الشمس، وأن هذه الأرواح البشرية إنما تنتقل من القوة إلى الفعل في المعارف الإلهية والكمالات الروحانية بتأثيرات جواهر الملائكة، ونظيره قوله تعالى: " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده " (3) وقوله " نزل به الروح الأمين على قلبك (4) " و