الرازي لهذه الرواية هو الباعث على عدول البيضاوي عن حمل هذه القصة على ظاهرها وتنزيلها على محض الرمز والذي سمعته من والدي - رحمه الله - في حله أنه إشارة إلى أن شخص العالم العامل الكامل المقرب من حظائر القدس قد يوكل إلى نفسه الغرارة ولا يلحقه التوفيق والعناية، فينبذ علمه وراء ظهره، ويقبل على مشتهيات نفسه الخبيثة الخسيسة، ويطوي كشحه عن اللذات الحقيقية، والمراتب العلية، فينحط إلى أسفل سافلين، والشخص الناقص الجاهل المنغمس في الأوزار قد يختلط بذلك الشخص العالم قاصدا بذلك الفساد والفحشاء، فيدركه بذلك التوفيق الإلهي فيستفيد من ذلك العلم ما يضرب بسببه صفحا عن أدناس دار الغرور، وأرجاس عالم الزور، ويرتفع ببركة ما يعلمه عن حضيض الجهل والخسران، إلى أوج العزة والعرفان، فيصير به المتعلم في أرفع درج العلاء، والمعلم في أسفل درك الشقاء. و رأيت في بعض التفاسير أن المراد بالملكين المذكورين الروح والقلب، فإنهما من العالم الروحاني أهبطا إلى العالم الجسماني لإقامة الحق، فافتتنا بزهرة الحياة الدنيا، ووقعا في شبكة الشهوة، فشربا خمر الغفلة، وزنيا ببغي الدنيا، وعبدا صنم الهوى، وقتلا نفسهما بحرمانهما من النعيم الباقي، فاستحقا أليم النكال، وقطيع العذاب. هذا وهذه القصة كما رواها علماء العامة عن ابن عباس فقد رواها علماؤنا رضوان الله عليهم عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام وذكرها الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي في مجمع البيان (1) لكن بين ما رواه العامة وما رواه أصحابنا اختلاف يسير فإن الرواية التي رواها أصحابنا ليس فيها أنهما يعلمان الناس السحر في وقت تعذيبهما، بل هي صريحة في أن التعليم كان قبل التعذيب، وكذلك ليس فيها أن تلك المرأة تعلمت منهما الاسم الأعظم وصعدت ببركته إلى السماء. والحاصل أن هذه القصة مروية من طرقنا ومن طرق العامة معا، وليس من جملة الحكايات الغير المسندة، كما يظهر من كلام الفاضل الدواني في شرح العقائد العضدية حيث قال:
إن هذه القصة ليست في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله ما يدل على صدقها. ثم إنه