عمل السحر فازداد تعجب الملائكة، فأراد الله تعالى أن يبتلي الملائكة فقال لهم: اختاروا ملكين من أعظم الملائكة علما وزهدا وديانة لانزالهما إلى الأرض، فأختبرهما فاختاروا هاروت وماروت، وركب فيهما شهوة الانس وأنزلهما ونهاهما عن الشرك والقتل والزنا والشرب، فنزلا فذهب إليهما امرأة من أحسن النساء وهي الزهرة فراوداها عن نفسها فأبت إلا بعد أن يعبدا الصنم وإلا بعد أن يشربا، فامتنعا أولا ثم غلبت الشهوة عليهما، فأطاعا في كل ذلك، فعند إقدامهما على الشرب وعبادة الصنم دخل سائل عليهم فقالت: إن أظهر هذا السائل للناس ما رأى منا فسد أمرنا فإن أردتما الوصول إلي فاقتلا هذا الرجل، فامتنعا منه، ثم اشتغلا بقتله، فلما فرغا من القتل طلبا المرأة فلم يجداها. ثم إن الملكين عند ذلك ندما وتحسرا وتضرعا إلى الله تعالى فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، وهما معذبات ببابل، معلقان بين السماء والأرض يعلمان الناس السحر.
ثم لهم في الزهرة قولان: أحدهما أن الله تعالى لما ابتلى الملكين بشهوة بني آدم أمر الله الكوكب الذي يقال له " الزهرة " وفلكها حتى هبط إلى الأرض إلى أن كان ما كان، فحينئذ ارتفعت الزهرة وفلكها إلى موضعها من السماء موبخين لهما على ما شاهداه منهما. والقول الثاني أن المرأة كانت فاجرة من أهل الأرض وواقعاها بعد شرب الخمر وقتل النفس وعبادة الصنم، ثم علماها الاسم الذي به كانا يعرجان إلى السماء، فتكلمت به وعرجت إلى السماء، وكان اسمها " بيدخت " فمسخها الله تعالى وجعلها هي الزهرة.
واعلم أن هذه الرواية فاسدة مردودة غير مقبولة، لأنه ليس في كتاب الله ما يدل عليها، بل فيه ما يبطلها من وجوه: الأول ما تقدم من الدلائل الدالة على عصمة الملائكة عن كل المعاصي. وثانيها: أن قولهم إنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاسد، بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة والعذاب، لان الله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره فكيف يبخل عليهما بذلك. وثالثها: أن من أعجب الأمور قولهم إنهما يعلمان الناس السحر في حال كونهما معذبين ويدعوان