و " الشياطين " بالرفع، والمعنى واحد.
أما قوله تعالى " وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " ففيه مسائل الأولى ما في قوله " وما أنزل " فيه وجهان: الأول أنه بمعنى الذي، ثم هؤلاء اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: أولها أنه عطف على السحر، أي يعلمون الناس السحر، ويعلمونهم ما أنزل على الملكين أيضا. وثانيها أنه عطف على قوله " ما تتلوا الشياطين " أي واتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان وما أنزل على الملكين، لان السحر منه ما هو كفر وهو الذي تتلوا الشياطين، ومنه ما تأثيره بالتفريق بين المرء وزوجه وهو الذي أنزل على الملكين، فكأنه تعالى أخبر عن اليهود بأنهم اتبعوا كلا الامرين ولم يقتصروا على أحدهما. وثالثها أن موضعه جر عطفا على " ملك سليمان " وتقديره: ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين، وهو اختيار أبي مسلم. وأنكر في الملكين أن يكون السحر نازلا عليهما، واحتج عليه بوجوه: الأول أن السحر لو كان نازلا عليهما لكان منزله هو الله تعالى وذلك غير جائز، لان السحر كفر وعبث ولا يليق بالله تعالى إنزال ذلك. الثاني أن قوله " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر " يدل على أن تعليم السحر كفر، ولو ثبت في الملائكة أنهم يعلمون السحر لزمهم الكفر، وذلك باطل. الثالث كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا لتعليم السحر فكذلك في الملائكة بالطريق الأولى. الرابع أن السحر لا يضاف إلا إلى الكفرة والفسقة والشياطين المردة، فكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه ويتوعد عليه بالعقاب؟! وهل السحر إلا الباطل المموه؟ وقد جرت عادة الله تعالى بإبطاله، كما قال في قصة موسى عليه السلام " ما جئتم به السحر إن الله سيبطله ".
ثم إنه سلك في تفسير الآية مسلكا آخر يخالف قول أكثر المخالفين، فقال كما أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرءا عنه، فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر، مع أن المنزل عليهما كان مبرءا عن السحر، وذلك لان المنزل عليهما كان هو الشرع والدين والدعاء إلى