وذلك أنه اتفق له أن كان مجتازا بفلاة من الأرض، فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل - والبراصل هو طائر عطوف - فكان يصفر صفيرا حزينا بخلاف صفير سائر البراصل، فكانت البراصل تجيئه بلطائف الزيتون فتطرحها عنده، فيأكل بعضها و يفضل بعضها عن حاجته، فوقف هذا الموسيقات (1) هناك وتأمل حال هذا الفرخ و علم أن في صفيره المخالف لصفير البراصل ضربا من التوجع والاستعطاف، حتى رقت له الطيور وجاءته بما يأكله، فتلطف لعمل آلة تشبه الصفارة إذا استقبل الريح بها أدت ذلك الصفير، ولم يزل يجرب ذلك حتى وثق بها وجاءته البراصل بالزيتون كما كانت تجئ إلى ذلك الفرخ، لأنها تظن أن هناك فرخا من جنسها، فلما صح له ما أراد أظهر النسك وعمد إلى هيكل أورشليم، وسأل عن الليلة التي دفن فيها " اسطرحن (2) " الناسك القيم بعمارة ذلك الهيكل، فأخبر أنه دفن في أول ليلة من آب، فأخذ (3) صورة من زجاج مجوف على هيئة البرصلة، ونصبها فوق ذلك الهيكل، وجعل فوق تلك الصورة قبة، وأمرهم بفتحها في أول آب، فكان يظهر صوت البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة، وكانت البراصل تجئ بالزيتون حتى كانت تمتلئ القبة كل يوم من ذلك الزيتون، والناس اعتقدوا أنه من كرامات ذلك المدفون، ويدخل في هذا الباب أنواع كثيرة لا يليق شرحها في هذا الموضع.
النوع السادس من السحر: الاستعانة بخواص الأدوية من أن (4) يجعل في طعامه بعض الأدوية المبلدة المزيلة للعقل، والدخن المسكرة نحو دماغ الحمار إذا تناول الانسان تبلد عقله وقلت فطنته، واعمل أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص، فإن أثر المغناطيس مشاهد، إلا أن الناس قد أكثروا فيه، وخلطوا الصدق بالكذب، والباطل بالحق.