قال السيد المرتضى - رحمه الله - في كتاب الغرر والدرر: إن سأل سائل عن قوله عز وعلا " واتبعوا ما تتلوا الشياطين - إلى قوله تعالى - ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " فقال: كيف ينزل الله سبحانه السحر على الملائكة؟
أم كيف تعلم الملائكة الناس السحر والتفريق بين المرء وزوجه؟ وكيف نسب الضرر الواقع عند ذلك إلى أنه بإذنه وهو تعالى قد نهى عنه وحذر من فعله؟
وكيف أثبت العلم لهم ونفاه عنهم بقوله " ولقد علموا لمن اشتريه ماله في الآخرة من خلاق " ثم بقوله " لو كانوا يعلمون "؟
الجواب: قلنا: في الآية وجوه كل منها يزيل الشبهة الداخلة على من لم يمعن النظر فيها:
أولها: أن يكون " ما " في قوله تعالى " وما أنزل على الملكين " بمعنى الذي، فكأنه تعالى خبر (1) عن طائفة من أهل الكتاب بأنهم اتبعوا ما تكذب فيه الشياطين على ملك سليمان وتضيفه إليه من السحر، فبرأه الله عز وجل من قرفهم وأكذبهم في قولهم فقال تعالى " وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا " باستعمال السحر والتمويه على الناس، ثم قال " يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين " وأراد أنهم يعلمونهم السحر وما الذي أنزل على الملكين، وإنما أنزل على الملكين وصف السحر وماهيته وكيفية الاحتيال فيه ليعرفا ذلك و يعرفاه الناس فيجتنبوه ويحذروا منه، كما أنه تعالى قد أعلمنا ضروب المعاصي ووصف لنا أحوال القبائح لنجتنبها لا لنواقعها، إلا أن الشياطين كانوا إذا علموا ذلك وعرفوه استعملوه وأقدموا على فعله، وإن كان غيرهم من المؤمنين لما عرفه اجتنبه وحارزه (2) وانتفع باطلاعه على كيفيته. ثم قال " وما يعلمان من أحد " يعني الملكين، ومعنى " يعلمان " يعلمان، والعرب تستعمل لفظة " علمه " بمعنى أعلمه، قال القطامي: