من هذا التصوير أن ما اشتهر من مطابقة نيروزهم ليوم انتقال الخلافة الصورية أيضا إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعد قتل عثمان كمطابقته ليوم الغدير إن كان مستندا إلى نص - كما قيل - يؤيد الاحتمال الأول، فإن كلا من الواقعتين كان في أواخر شهر ذي الحجة الحرام، وبينهما خمس وعشرون سنة، ولا يمكن أن يتفق ذلك بدون اسقاط إلا في نيف وثلاثين سنة، فالنص على كون كل من اليومين مطابقا للنيروز هو في حكم النص على اعتبار الاسقاط المذكور، وأيضا ثبوت الواقعتين المذكورتين في النيروز من أوضح الدلائل على بطلان كون المراد به يوم نزول الشمس ببرج الحمل، فإن اتفاق نيروزين بهذا المعنى في شهر من الشهور العربية بفاصلة المدة المذكورة غير ممكن قطعا، فمن استدل بثبوت الواقعتين المذكورتين في النيروز على كون المراد به الاعتدال الربيعي فقد جعل ما يدل صريحا على بطلان شئ دليلا على صحته (انتهى).
وأقول: مما يؤيد ما مر ما ذكره أبو ريحان في كتاب " الآثار الباقية من القرون الخالية " حيث قال في عداد التواريخ المشهورة: ثم تاريخ ملك يزدجرد ابن شهريار بن كسرى ابرويز، وهو على سني الفرس غير مكبوسة، وقد استعمل في الأزياج لسهولة العمل به، وإنما اشتهر تاريخ هذا الملك من بين سائر ملوك فارس لأنه قام بعد تبدد الملك واستيلاء النساء عليه والمتغلبة ممن لا يستحقه وكان مع ذلك آخر ملوكهم، وجرت على يده أكثر الحروب المذكورة والوقائع المشهورة مع عمر بن الخطاب، حتى زالت الدولة وانهزم، فقتل بمرو الشاهجان.
ثم قال: ثم تاريخ أحمد بن طلحة المعتضد بالله، وهو على سني الروم وشهور الفرس بمأخذ آخر، وهو أنها تكبس في كل أربع سنين بيوم، وكان السبب في ذلك على ما ذكر أبو بكر الصولي وحمزة بن الحسن الأصبهاني أن المتوكل بينا هو يطوف في متصيد له إذ رأى زرعا لم يدرك بعد ولم يستحصد، فقال: استأذنني عبيد الله بن يحيى في فتح الخراج وأرى الزرع أخضر فمن أين يعطي الناس الخراج؟
فقيل له: إن هذا قد أضر بالناس فهم يقترضون ويتسلفون وينجلون عن أوطانهم