وكثرت لهم شكاياتهم. فقال: هذا شئ حدث في أيامي أم لم يزل كذا؟ فقيل له:
بل هو جار على ما أسسه ملوك الفرس من المطالبة بالخراج في إبان النيروز، وصاروا به قدوة لملوك العرب. فأحضر المؤبد وقال له: قد كثر الخوض في هذا ولست أتعدى رسوم الفرس، فكيف كانوا يفتحون الخراج على الرعية مع ما كانوا عليه من الاحسان والنظر؟ ولم استجازوا المطالبة في هذا الوقت الذي لم تدرك فيه الغلات والزروع؟ فقال المؤبد: وإنهم وإن كانوا يفتحونها في النيروز، فما كان يجبى إلا وقت إدراك. فقال: وكيف ذلك! فبين له حال السنين وكمياتها واحتياجها إلى الكبس، ثم عرف أن الفرس كانوا يكبسونها فلما جاء الاسلام عطل، فأضر ذلك بالناس، واجتمع الدهاقنة زمن هشام بن عبد الملك إلى خالد القسري فشرحوا له هذا وسألوه أن يؤخروا النوروز شهرا، فأبى وكتب إلى هشام بذلك، فقال:
إني أخاف أن يكون هذا من قول الله " إنما النسئ زيادة في الكفر (1) " فلما كان أيام الرشيد اجتمعوا إلى خالد بن يحيى بن برمك وسألوه أن يؤخروا النوروز نحو الشهرين، فعزم على ذلك فتكلم أعداؤه فيه وقالوا: إنه يتعصب للمجوسية فأضرب عن ذلك وبقي الامر على حاله. فأحضر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولي وأمره أن يوافق المؤبد على ما ذكره من النيروز ويحسب الأيام ويجعل له قانونا غير متغير، وينشئ عنه كتابا إلى بلدان المملكة في تأخير النوروز، فوقع العزم على تأخيره إلى سبعة عشر يوما من حزيران، ففعل ذلك ونفذت الكتب إلى الآفاق في المحرم سنة ثلاث وأربعين ومأتين. فقال البختري في ذلك قصيدة يمدح فيها المتوكل، وقتل المتوكل ولم يتم له ما دبر، حتى قام المعتضد بالخلافة واسترد بلدان المملكة من المتغلبين عليها، وتفرغ للنظر في أمور الرعية، فكان أهم شئ إليه أمر الكبيسة وإتمامه، فاحتذى ما فعله المتوكل في تأخير النوروز، غير أنه نظر من جهة أخرى، وذلك أن المتوكل أخذ ما بين سنته وبين أول تاريخ الملك يزدجرد، وأخذ المعتضد ما بين سنته وبين السنة التي زال فيها ملك الفرس بهلاك يزدجرد