قال ابن عباس: إنهم ما أحلوا شهرا من الأشهر الحرم إلا حرموا مكانه شهرا آخر من الحلال ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا آخر من الحرام لأجل أن تكون عدة الحرام أربعة مطابقة لما ذكره الله تعالى. وللآية تفسير آخر وهو أن يكون المراد بالنسئ كبس بعض السنين القمرية بشهر، حتى يلتحق بالسنة الشمسية، وذلك أن السنة القمرية أعني اثني عشر شهرا قمريا هي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس وسدس يوم على ما عرف من علم النجوم وعمل الزيجات والسنة الشمسية وهي عبارة عن عود الشمس من أية نقطة تفرض من الفلك إليها بحركتها الخاصة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم إلا كسرا قليلا، فالسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بعشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة وخمس ساعة تقريبا، وبسبب هذا النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفي الصيف أخرى، وكذا في الربيع والخريف، وكان يشق الامر عليهم، إذ ربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الأطراف فكان تختل أسباب تجاراتهم ومعايشهم، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة بحيث يقع الحج دائما عند اعتدال الهواء وإدراك الثمرات والغلات، وذلك بقرب حلول الشمس نقطة الاعتدال الخريفي، فكبسوا تسع عشرة سنة قمرية بسبعة أشهر قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة شمسية فزادوا في السنة الثانية شهرا ثم في الخامسة، ثم في السابعة، ثم في العاشرة، ثم في الثالثة عشر، ثم في السادسة عشر، ثم في الثامنة عشر، وقد تعلموا هذه الصنعة من اليهود والنصاري، فإنهم يفعلون هكذا لأجل أعيادهم، فالشهر الزائد هو الكبيس، وسمي بالنسئ، لأنه المؤخر، والزائد مؤخر عن مكانه، وهذا التفسير يطابق ما روي أنه صلى الله عليه وآله خطب في حجة الوداع، و كان في جملة ما خطب به: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات و الأرض السنة اثنى عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر (1) بين جمادى وشعبان. والمعنى: رجعت الأشهر إلى ما
(٣٣٩)