الشهور القمرية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفي الصيف أخرى، وكان يشق عليهم الامر بهذا السبب، وأيضا إذا حضروا الحج حضروا للتجارة، وربما كان ذلك الوقت غير موافق لحضور التجار من الأطراف، وكان يخل بأسباب تجاراتهم بهذا السبب، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة على ما هو معلوم في علم الزيجات، واعتبروا السنة الشمسية وعند ذلك بقي زمان الحج مختصا بوقت معين، فهو (1) أخف لمصلحتهم، وانتفعوا بتجاراتهم ومصالحهم، فهذا النسئ وإن صار سببا لحصول المصالح الدنيوية إلا أنه لزم منه تغير حكم الله تعالى، لأنه لما خص الحج بأشهر معلومة على التعيين وكان بسبب النسئ يقع في سائر الشهور فتغير حكم الله (2) لتكليفه. والحاصل أنهم لرعاية مصالحهم في الدنيا سعوا في تغيير أحكام الله وإبطال تكليفه، فلهذا استوجبوا الذم العظيم في هذه الآية (3). قال النيسابوري: قال المفسرون: إنهم كانوا أصحاب حروب وغارات وكان يشق عليهم مكث ثلاثة أشهر متوالية من غير قتل وغارة، فإذا اتفق لهم في شهر منها أو في المحرم حرب أو غارة أخروا تحريم ذلك الشهر إلى شهر آخر. قال الواحدي: وأكثر العلماء على أن هذا التأخير كان من المحرم إلى صفر، ويروى أنه حدث ذلك في كنانة، لأنهم كانوا فقراء محاويج إلى الغارة، وكان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في قومه، وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول بأعلى صوته:
إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوا! ثم يقوم في القابل فيقول: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه! والأكثرون على أنهم كانوا يحرمون من جملة شهور العام أربعة أشهر، وذلك قوله (ليواطئوا عدة ما حرم الله) أي ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوا، ولم يعلموا أنهم خالفوا ترك القتال ووجوب التخصيص، وذلك قوله تعالى (فيحلوا ما حرم الله) أي من القتال وترك الاختصاص.