وأما أحكامهم الكلية فكان [كما] يقال كلما حصلت الدورة الفلانية كان كذا، فالمنجم إنما يحكم بذلك الحكم عن جزئيات من الدورات تشابهت آثارها فظنها متكررة، ولذلك يعدلون إذا حقق القول عليهم إلى دعوى التجربة، وقد علمت أن التجربة تعود إلى تكرر مشاهدات يضبطها الحس، والعقل يحصل منها حكما كليا كحكمه بأن كل نار محرقة، فإنه لما أمكن للعقل استثبات الاحراق بواسطة الحس أمكنه الجزم الكلي بذلك، فأما التشكلات الفلكية والاتصالات الكوكبية المقتضية لكون ما يكون، فليس شئ منها يعود بعينه كما علمت، وإن جاز أن يكون تشكلات وعودات متقاربة الأحوال ومتشابهة إلا أنه لا يمكن للانسان ضبطها ولا الاطلاع على مقدار ما بينها من المشابهة والتفاوت، وذلك أن حساب المنجم مبني على قسمة الزمان بالشهور والأيام والساعات والدرج و الدقائق وأجزائها، وتقسيم الحركة بإزائها ورفع بينهما نسبة عددية، وكل هذه أمور غير حقيقية وإنما تؤخذ على سبيل التقريب، أقصى ما في الباب أن التفاوت فيها لا يظهر في المدد المتقاربة، لكنه يشبه أن يظهر في المدد المتباعدة، ومع ظهور التفاوت في الأسباب كيف يمكن دعوى التجربة وحصول العلم الكلي الثابت الذي لا يتغير باستمرار أثرها على وتيرة واحدة؟
ثم لو سلمنا أنه لا يظهر تفاوت أصلا إلا أن العلم بعود تلك الدورة لا يقتضي بمجرده العلم بعود الأثر السابق، لتوقف العلم بذلك على عود أمثال الأسباب الباقية للأثر السابق من الاستعداد وسائر أسبابه العلوية والسفلية، وعلى ضبطها فإن العلم التجربي إنما يحصل بعد حصرها ليعلم عودها وتكررها، وكل ذلك مما لا سبيل للقوة البشرية إلى ضبطه، فيكف يمكن دعوى التجربة؟
ثم قال: واعلم أن الذي ذكرناه ليس إلا بيان أن الأصول التي يبني عليها الاحكاميون أحكامهم وما يخبرون به في المستقبل أصول غير موثوق بها، فلا يجوز الاعتماد عليها في تلك الأحكام والجزم بها، وهذا لا ينافي كون تلك القواعد ممهدة بالتقريب، كقسمة الزمان وحركة الفلك والسنة والشهر واليوم مأخوذا عنها