حالتي القرب والبعد فليس الكلام فيهما، إنما الكلام في الزيادة والنقصان المسببين عن البعد والقرب المدركين بالحس، وربما يتراءى لبعض الافهام من ظاهر قوله عليه السلام (وامتهنك بالزيادة والنقصان) أن زيادة نور القمر ونقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقة، وحاصلان في نفس الامر كما هو معتقد كثير من الناس وهذا وإن كان ممكنا نظرا إلى قدرة الله تعالى على أن يحدث في جرمه أول الشهر شيئا يسيرا من النور ويزيده على التدريج إلى أن يصير بدرا، ثم يسلبه عنه شيئا فشيئا إلى المحاق، إلا أن حمل كلامه عليه السلام على ما هو متفق عليه بين أساطين علماء الهيئة حتى عد من الحدسيات أليق وأولى، وهم مع قطع النظر عما أوجب تحدسهم بذلك إنما اقتبسوا هذا العلم من أصحاب الوحي سلام الله عليهم كشيث عليه السلام المدعو على لسانهم بهرمس، وقد نقل جماعة من المفسرين منهم الشيخ الطبرسي - ره عند تفسير قوله تعالى (واذكر في الكتاب - إدريس الآية (1) -) أن علم الهيئة كان معجزة له إلى آخر ما ذكره في ذلك (2). ثم قال - ره -: لا يخفى أن حكمهم بأن نور القمر مستفاد من الشمس ليس مستندا إلى مجرد ما يشاهد من اختلاف تشكلاته النورية بقربه وبعده عن الشمس، فإن هذا وحده لا يوجب ذلك الحكم قطعا، بل لابد مع ذلك من ضم أمور آخر، كحصول الخسوف عند توسط الأرض بينه وبين الشمس، إلى غير ذلك من الامارات التي يوجب اجتماعها ذلك الحكم، لجواز أن يكون نصفه مضيئا من ذاته ونصفه مظلما، ويدور على نفسه كحركة فلكه، فإذا تحرك بعد المحاق يسيرا رأيناه هلالا، ويزداد فنراه بدرا ثم يميل نصفه المظلم شيئا فشيئا إلى أن يؤول إلى المحاق. ثم أفاد - ره -: لعلك تقول عند ملاحظة قوله (وامتهنك بالزيادة والنقصان) أن حصول الامتهان للقمر بنقصان نوره ظاهر. فما معنى حصول الامتهان له بزيادة النور؟ فأقول: فيه وجهان:
الأول أنه كان أحد وجهيه مستنيرا بالشمس دائما، وكانت زيادة نور إنما هي