أفراده كذلك، لعدم الفرق ضرورة. ثم أوثقه رابعا بدفع توهم بعيد هو أن يكون مستندا إليه ولا يكون مخلوقا له، بالإشارة إلى أن الاستناد وكل ما يعبر به عن هذا المعنى يرجع إلى معنى الخلق، فلا يمكن أن يكون خلقه فتجاوز عن كونه مخلوقا له، ثم أحكمه خامسا بدفع شبهة لزوم التسلسل بالفرق بين حقائق الموجودات، وتفاوت مراتبها في المقتضيات، وعدم جواز قياس بعضها على بعض في جميع الحالات، ليسهل به التصديق بجواز أن يكون حكم الموجودات الرابطية مخالفا لحكم الموجودات الحقيقية، فلا يلزم من ثبوت إبداع لها ثبوته للرابطية أيضا كما اشتهر أن الإرادة ليس لها إرادة أخرى فلا يلزم التسلسل. ويمكن أن يحمل على الإشارة إلى دفع مثل هذا التسلسل باعتبار الفرق المذكور ما روي في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خلق الله المشية بنفسها، ثم خلق الأشياء بالمشية (1) ثم أفاد عليه السلام سادسا ضابطة وعلامة لمعرفة خلقه تعالى تتميما للمقصود وتأكيدا لصحته بأن كل ما لوجوده حد لم يكن قبله موجودا، فلا بد له من أن يكون مخلوقا له تعالى لثبوت الامكان ولزوم الاحتياج.
قوله عليه السلام (وكان الذي خلق خلقين اثنين) لعله إشارة إلى الخلق الأول وهي الحروف، ففي خلقتها يخلق شيئان: حرف، وتحديد وتقدير قائم به، وليس شئ من الحروف و العرض القائم به ذا لون ووزن وذوق، وجعل أحدهما يدرك بالآخر، أي الحروف تعرف بالحدود القائمة بها، فيعرف بأنه شئ محدود، والمعنى:
أنه لو لم يكن محدودا لم يكن مدركا بالحواس، وجعل الحرف وحده كليهما مدركين بنفسهما لا بآثارهما، فإن الأمور المحسوسة إنما تدرك بأنفسها لا بآثارها (ولم يخلق شيئا فردا عن الحدود والتقديرات قائما بنفسه دون غيره) أي من غير أن يخلق معه غيره كالحدود، لأنه أراد أن يكون حروفا وأصواتا دالة على نفسه وإثبات وجوده، وما يكون دالا على المعاني هاديا للناس إلى المعرفة لا يكون