بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل (كن فيكون) و (كن) منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الأول من الله عز وجل: الابداع، لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس، والخلق الثاني: الحروف، لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة (1) غير منظور إليها والخلق الثالث: ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه، والله تبارك وتعالى سابق للابداع لأنه ليس قبله عز وجل شئ، ولا كأن معه شئ، والابداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير أنفسها (2).
قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها (3)؟ قال الرضا عليه السلام: لان الله عز وجل لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير (4) معنى، ولم يك (5) إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا.
قال عمران: فكيف لنا معرفة ذلك؟ قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه (6) أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها، ذكرتها فردا فقلت: ا، ب، ت، ث، ج، ح، خ، حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها، داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم، ثم قال: يا سيدي، ألا تخبرني عن الابداع أخلق هو أم غير خلق؟ قال الرضا عليه السلام: بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون، وإنما صار خلقا لأنه شئ محدث والله الذي أحدثه، فصار