استبعاد، أو مقايسة بعض المخلوقات ببعض، وكلاهما مما لا وقع له في هذا المقام.
وأما الاختزال فيمكن أن يكون غرضه عليه السلام الإشارة إلى علة شيوع هذا الاصطلاح أي إطلاق السنة في عرف الشرع والعرف العام على ثلاثمأة وستين مع أنها لا توافق السنة الشمسية ولا القمرية، بأنها مطابقة للسنة الأولى من خلق العالم إذا حسبت من ابتداء الخلق، وأما السنة القمرية فهي مبنية على حركة القمر بعد وجوده، والستة المتقدمة المصروفة في خلق العالم مختزلة منها، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق في محله إنشاء الله تعالى.
ثم اعلم أنه قد تكلم كثير من الناس من الفرق المتشتة في قدر زمان عمر الدنيا، فأكثر اليهود بل سائر أهل الكتاب مالوا إلى تقليله بأمور خطابية لا ترتضيها العقول السليمة، وجمهور الهنود بالغوا في تكثيره بخيالات حسابية تتنفر عنها الطبائع المستقيمة، وأما مشاهير قدماء الحكماء وجماهير عظماء الأحكاميين فقد توسطوا في ذلك، ولكن تفرقوا إلى أقوال شتى، وحكى أبو معشر البلخي في كتابه المسمي بسر الاسرار عن بعض أهل هند أن الدور الأصغر ثلاثمأة وستون سنة والأوسط ثلاثة آلاف وستمأة سنة، والأكبر ثلاثمأة وستون ألف سنة، ولعل المراد بالدور الأكبر زمان عمر الدنيا، وبالسنة السنة الشمسية، فيطابق ما اعتمد عليه جمع من أعلام المنجمين من قول حكماء فارس وبابل أن سني عمر العالم ثلاثمأة وستون ألف سنة شمسية، كل سنة ثلاثمأة وخمسة وستون يوما وخمس عشرة دقيقة واثنتان وثلاثون ثانية وأربع وعشرون ثالثة، ومستندهم في ذلك على ما نقل أبو معشر من (1) أهل فارس أن الكواكب السبعة في أول خلق الدنيا كانت مجتمعة في أول الحمل، ويكون اجتماعها في آخر زمان بقائها في آخر الحوت وزمان ما بينهما ثلاثمأة وستون ألف سنة من تلك السنين، وأما مستندهم في الاجتماع المذكور على نحو ما تصوروه في المقامين فغير معلوم.
ثم اعلم أن هذه الخيالات والروايات وإن لم يكن مبتنية على أصل متين