بالجو البعد الموهوم، أو أحد العناصر بناء على تقدم خلق الهواء كما هو الظاهر مما سنورده من تفسير علي بن إبراهيم، وهذا الكلام لا تصريح فيه بالصادر الأول وسيأتي الكلام فيه انشاء الله. وقوله (وشق الارجاء) كالتفسير لفتق الأجواء أو المراد بالارجاء الأمكنة والأفضية، وبالأجواء عنصر الهواء، وقوله (وسكائك الهواء) بالنصب كما في كثير من النسخ معطوف على (فتق الأجواء) أي أنشأ سبحانه سكائك الهواء، والجر كما في بعض النسخ أظهر عطفا على الأجواء أي أنشأ فتق سكائك الهواء. قال ابن ميثم: فإن قلت: إن الأجواء والارجاء وسكائك الهواء أمور عدمية فكيف تصح نسبتها إلى الانشاء عن القدرة؟ قلت: إن هذه الأشياء عبارة عن الخلا والأحياز، والخلاف في أن الخلا والحيز والمكان هل هي أمور وجودية أو عدمية مشهور، فإن كانت وجودية كانت نسبتها إلى القدرة ظاهرة، ويكون معنى فتقها وشقها شق العدم عنها، وإن كانت عدمية كان معنى فتقها وشقها ونسبتها إلى القدرة تقديرها وجعلها أحيازا للماء ومقرا لها لأنه لما كان تميزها عن مطلق الهواء والخلاء بإيجاد الله فيها الماء صار تعينها بسبب قدرته تعالى فتصح نسبتها إلى إنشائه، فكان سبحانه شقها وفتقها بحصول الجسم فيها.
وروي أن زرارة وهشاما اختلفا في الهواء أهو مخلوق أم لا، فرفع بعض موالي جعفر بن محمد عليهما السلام إليه ذلك، فقال له: إني متحير وأرى أصحابنا يختلفون فيه. فقال عليه السلام: ليس هذا بخلاف يؤدي إلى الكفر والضلال: واعلم أنه عليه السلام إنما أعرض عن بيان ذلك لان أولياء الله الموكلين بإيضاح سبله وتثبيت خلقه على صراطه المستقيم لا يلتفتون بالذات إلا إلى أحد أمرين: أحدهما ما يؤدي إلى الهدى أداء ظاهرا واضحا والثاني ما يصرف عن الضلال ويرد إلى سواء السبيل.
وبيان أن الهواء مخلوق أو غير مخلوق لا يفيد كثير فائدة في أمر المعاد، فلا يكون الجهل به مما يضر في ذلك، فكان تركه (1) والاشتغال بما هو أهم منه أولى (2).