ومقصد القرآن واحدا، فكان البخار المنفصل هو الذي تكونت عنه الأرض وهو الزبد، وأما وجه المشابهة بين الدخان والبخار الذي صحت لأجله استعارة لفظه له فهو أمران: أحدهما حسي وهو الصورة المشاهدة من الدخان والبخار حتى لا يكاد يفرق بينهما في الحس البصري، والثاني معنوي وهو كون البخار أجزاء مائية خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة كما أن الدخان كذلك ولكن عن حرارة النار، فإن الدخان أيضا أجزاء مائية انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حر النار فكان الاختلاف بينهما ليس إلا بالسبب، فلذلك صح استعارة اسم أحدهما للآخر (وبالله التوفيق (1)).
(جعل سفلاهن موجا مكفوفا وعلياهن سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا) الكف:
المنع، والسقف: معروف، وقال الجوهري وغيره: السقف اسم للسماء. والمعروف ههنا أنسب، وسمك البيت: سقفه، وسمك الله السماء سمكا: رفعها، والمسموكات:
السماوات أي جعل السماء السفلى موجا ممنوعا من السلان إما بإمساكه بقدرته أو بأن خلق تحته وحوله جسما جامدا يمنعه عن الانتشار والسيلان، أو بأن أجمدها بعد ما كانت سيالة. وظاهر هذا الكلام وغيره من الاخبار اختصاص الحكم بالسماء الدنيا، قال الكيدري، رحمه الله: شبه السماء الدنيا بالموج لصفائها وارتفاعها، أو أراد أنها كانت في الأول موجا ثم عقدها، والمكفوف: الممنوع من السقوط. وقال ابن ميثم: شبهها بالموج في الارتفاع واللون الموهوم، وقيل:
شبهت به لارتعاد الكواكب حسا: ولعل المراد بحفظ العليا إمساكها عن النقص والهدم والسقوط والخرق إلا بأمره سبحانه وقال أكثر الشارحين: أي عن الشياطين وهو لا يناسب العليا بل السفلى، ويناسب أن يكون المراد بقوله تعالى (وجعلنا السماء سقفا محفوظا (2)) السماء العليا، ويخطر بالبال وجه آخر، وهو أن يكون المراد أنه تعالى جعل الجهة السفلى من كل من السماوات مواجة متحركة واقعا