من أنبيائه، ومتحملي ودائع رسالاته قرنا فقرنا حتى تمت بنبينا [محمد] صلى الله عليه وآله حجته، وبلغ المقطع عذره ونذره، وقدر الأرزاق فكثرها وقللها، وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها، ثم قرن بسعتها عقابيل فاقتها، وبسلامتها طوارق آفتها، وبفرج أفراجها غصص أتراحها، وخلق الآجال فأطالها وقصرها وقدمها وأخرها، ووصل بالموت أسبابها، وجعله خالجا لأشطانها، وقاطعا لمرائر قرانها (1)، عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، وخواطر رجم الظنون، وعقد عزيمات اليقين، ومسارق إيماض الجفون، وما ضمنته أكناف القلوب (2) وغيابات الغيوب، وما أصغت لاستراقه مصائخ الاسماع، ومصايف الذر، ومشاتي الهوام، ورجع الحنين من المولهات، وهمس الاقدام، ومنفسح الثمرة من ولائج غلف الأكمام، ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها ومختباء البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها، ومغرز الأوراق من الأفنان، ومحط الأمشاج من مسارب الأصلاب، وناشئة الغيوم ومتلاحمها، ودرور قطر السحاب ومتراكمها، وما تسفي (3) الأعاصير بذيولها، وتعفو الأمطار بسيولها، وعوم نبات الأرض في كثبان الرمال، ومستقر ذوات الأجنحة بذرى شناخيب الجبال وتغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار، وما أوعته الأصداف وحضنت عليه أمواج البحار، وما غشيته سدفة ليل أو ذر عليه شارق نهار، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير وسبحات النور، وأثر كل خطوة، وحس كل حركة، ورجع كل كلمة، وتحريك كل شفة، ومستقر كل نسمة، ومثقال كل ذرة، وهماهم كل نفس هامة، وما عليها من ثمر شجرة، أو ساقط ورقة، أو قرارة نطفة، أو نقاعة دم ومضغة، أو ناشئة خلق وسلالة، لم تلحقه في ذلك كلفة، ولا اعترضته في حفظ
(١١٣)