في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، ولا تعدوا على عزيمة جدهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هممهم (1) خدائع الشهوات، قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته، إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فيوافي جدهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم، ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد ولا شعبتهم (2) مصارف الريب، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم اسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا ونى ولا فتور، وليس في أطباق السماوات موضع إهاب إلا وعليه ملك ساجد، أو ساع حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما.
ومنها في صفة الأرض ودحوها على الماء: كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة، ولجج بحار زاخرة، تلتطم أواذي أمواجها، وتصطفق متقاذفات أثباجها، وترغو زبدا كالفحول عند هياجها، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها وسكن هيج ارتمائه إذ وطأته بكلكلها، وذل مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا، وفي حكمة الذل منقادا أسيرا، وسكنت الأرض مدحوة في لجة تياره، وردت من نخوة بأوه واعتلائه، وشموخ أنفه وسمو غلوائه، وكعمته على كظة جريته فهمد بعد نزقاته (3)، ولبد بعد زيفان وثباته، فلما سكن هيج (4) الماء من تحت أكنافها، وحمل شواهق الجبال البذخ (5)