مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك، وكأنه لم يسمع تبرء التابعين من المتبوعين إذ يقولون (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزؤوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم، فأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت به عنه شواهد حجج بيناتك، وأنك أنت الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، ولا في روايات خواطرها محدودا (1) مصرفا.
ومنها: قدر ما خلق فأحكم تقديره، ودبره فألطف تدبيره، ووجهه لوجهته فلم يتعد حدود منزلته، فلم يقصر (2) دون الانتهاء إلى غايته، ولم يستصعب إذ أمر بالمضي على إرادته، وكيف؟ وإنما صدرت الأمور عن مشيته، المنشئ أصناف الأشياء بلا روية فكر آل إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من حوادث الدهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، فتم خلقه وأذعن لطاعته، وأجاب إلى دعوته، ولم يعترض دونه ريث المبطئ، ولا أناة المتلكئ فأقام من الأشياء أودها، ونهج حدودها (3) ولاءم بقدرته بين متضادها، ووصل أسباب قرائنها وفرقها أجناسا مختلفات في الحدود والاقدار، والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد وابتدعها.
منها في صفة السماء: ونظم بلا تعليق رهوات فرجها، ولاحم صدوع انفراجها، وشج بينها وبين أزواجها، وذلل للهابطين بأمره والصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها (4) وناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها، وفتق