على أكنافها، فجر ينابيع العيون من عرانين أنوفها، وفرقها في سهوب بيدها وأخاديدها، وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها، وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها، فسكنت من الميدان برسوب الجبال في قطع أديمها وتغلغلها متسربة في جوبات خياشيمها، وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيمها، وفسح بين الجو وبينها، وأعد الهواء متنسما لساكنها (1)، وأخرج إليها أهلها على تمام مرافقها، ثم لم يدع جرز الأرض التي تقصر مياه العيون عن روابيها، و لا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها، حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها وتستخرج نباتها الف غمامها، بعد افتراق لمعه، وتباين قزعه، حتى إذا تمخضت لجة المزن فيه، والتمع برقة في كففه، ولم ينم وميضه في كنهور ربابه، ومتراكم سحابه، أرسله سحا متداركا قد أسف هيدبه تمر به الجنوب درر أهاضيبه ودفع شئابيبه، فلما ألقت السحاب برك بوانيها، وبعاع ما استقلت به من العب المحمول عليها، أخرج به من هوامل (2) الأرض النبات، ومن زعر الجبال الأعشاب، فهي تبهج بزينة رياضها، وتزدهي بما ألبسته من ربط أزاهيرها، وحلية ما شمطت (3) به من ناضر أنوارها، وجعل ذلك بلاغا للأنام، ورزقا للأنعام وخرق الفجاج في آفاقها وأقام المنار للسالكين على جواد طرقها، فلما مهد أرضه وأنفذ أمره اختار آدم عليه السلام خيره من خلقه، وجعله أول جبلته، وأسكن (4) جنته، وأرغد فيها أكله، وأوعز إليه فيما نهاه عنه، وأعلمه أن في الاقدام عليه التعرض لمعصيته والمخاطرة بمنزلته، فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه، فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله، وليقيم الحجة به على عباده، ولم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبيته، ويصل بينهم و بين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة
(١١٢)