الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه، فجعل نسب كل شئ إلى الماء، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه، وخلق الريح من الماء، ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب (1) ولا صعود ولا هبوط، ولا شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء، ثم خلق الله النار من الماء، فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا نقب (2) وذلك قوله (أم السماء بنيها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها) قال: ولا شمس ولا قمر، ولا نجوم ولا سحاب، ثم طواها فوضعها فوق الأرض، ثم نسب الخليقتين، فرفع السماء قبل الأرض، فذلك قوله عز ذكره (والأرض بعد ذلك دحيها) يقول: بسطها.
قال: فقال له الشامي: يا أبا جعفر! قول الله عز وجل (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام: فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الأخرى؟ فقال: نعم فقال أبو جعفر عليه السلام: استغفر ربك! فإن قول الله عز وجل (كانتا رتقا) يقول:
كانت السماء رتقا لا تنزل المطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب، فلما خلق الله تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كل دابة ففتق السماء بالمطر، والأرض بنبات الحب. فقال الشامي: أشهد أنك من ولد الأنبياء، وأن علمك علمهم (3).
توضيح: قوله عليه السلام (ولو كان أول ما خلق) أي لو كان كما تزعمه الحكماء كل حادث مسبوقا بمادة فلا يتحقق شئ يكون أول الأشياء من الحوادث، فيلزم وجود قديم سوى الله تعالى وهو محال (فجعل نسب كل شئ إلى الماء) أي