فأرسل إلى عمر بن سعد: بلغني أن الحسين يحفر الآبار، ويصيب الماء، فيشرب هو وأصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت وضيق عليهم، ولا تدعهم يذوقوا الماء، وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.
فلما اشتد العطش بالحسين دعا بأخيه العباس فضم إليه ثلاثين فارسا وعشرين راكبا، وبعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات فقال عمرو بن الحجاج: من أنتم؟ فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام، يقال له هلال بن نافع البجلي: ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء، فقال عمرو: اشرب هنيئا فقال هلال: ويحك تأمرني أن أشرب والحسين بن علي ومن معه يموتون عطشا؟ فقال عمرو: صدقت ولكن أمرنا بأمر لا بد أن ننتهي إليه، فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات، وصاح عمرو بالناس واقتتلوا قتالا شديدا، فكان قوم يقاتلون، وقوم يملأون حتى ملأوها، ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد ثم رجع القوم إلى معسكرهم، فشرب الحسين ومن كان معه، ولذلك سمي العباس عليه السلام السقاء.
ثم أرسل الحسين إلى عمر بن سعد لعنه الله: أني أريد أن أكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين في مثل ذلك، فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه، وبقي معه أخوه العباس، وابنه علي الأكبر، وأمر عمر بن سعد وأصحابه فتنحوا عنه، وبقي معه ابنه حفص وغلام له.
فقال له الحسين عليه السلام: ويلك يا ابن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم وكن معي، فإنه أقرب لك إلى الله تعالى، فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري، فقال الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز فقال: لي عيال وأخاف عليهم، ثم سكت ولم يجبه إلى شئ