فانصرف عنه الحسين عليه السلام، وهو يقول: مالك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا فقال ابن سعد: في الشعير كفاية عن البر مستهزئا بذلك القول.
رجعنا إلى سياقة حديث المفيد قال: وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر ابن سعد أن: حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان، فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ومنعوهم أن يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام.
ونادى عبد الله بن حصين الأزدي وكان عداده في بجيلة: قال بأعلى صوته:
يا حسين! ألا تنظر [ون] إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوقون منه قطرة واحدة، حتى تموتوا عطشا، فقال الحسين عليه السلام: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا، قال حميد بن مسلم: والله لعدته في مرضه بعد ذلك فوالله الذي لا إله غيره، لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر (1) ثم يقيئه ويصيح العطش العطش ثم يعود ويشرب حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه.
ولما رأى الحسين عليه السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله، أنفذ إلى عمر بن سعد: أنني أريد أن ألقاك، فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر إلى مكانه، وكتب إلى عبيد الله بن زياد: " أما بعد فان الله قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور، فيكون رجلا من المسلمين:
له مالهم، وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده (2)