الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه (1) ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلها.
فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيأوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين وقام فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله، يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فان أبيتم إلا الكراهة لنا، والجهل بحقنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم.
فقال له الحر: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر؟ فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد.
فقال الحسين عليه السلام: الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه: فقوموا فاركبوا، فركبوا وانتظر حتى ركبت نساؤه فقال لأصحابه: انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا، حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين عليه السلام للحر: ثكلتك أمك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان، ولكن والله مالي من ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه.
فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد، فقال: إذا والله لا أتبعك، فقال: إذا والله لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: إني لم أؤمر بقتالك إنما