جهل إمام وخرقه (1)، ألا وإنه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ، ألا وإنه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلا عزا، ألا وإن الذل في طاعة الله أقرب إلى الله من التعزز في معصيته، ثم قال: أين المتكلم آنفا؟ فلم يستطع الانكار، فقال: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني لو أشاء لقلت، فقال: أو تعفو (2) وتصفح فأنت أهل لذلك، فقال: عفوت وصفحت، فقيل لمحمد بن علي:
ما أراد أن يقول؟ قال: أراد أن ينسبه.
وروى زرارة أيضا قال: قيل لجعفر بن محمد عليهما السلام: إن قوما ههنا ينتقصون عليا، قال: بم ينتقصونه لا أبا لهم وهل فيه موضع نقيصة؟ والله ما عرض لعلي عليه السلام أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما وأشقهما عليه، ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة والنار ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له، وينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له، وإن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال " وجهت وجهي " تغير لونه حتى يعرف ذلك في لونه (3)، ولقد أعتق ألف عبد من كد يده كلهم يعرق فيه جبينه ويحفى فيه كفه، وقد بشر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال: بشر الوارث، ثم جعلها صدقة على الفقراء والمساكين وابن السبيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ليصرف الله النار عن وجهه (4).
وقال في موضع آخر: روى علي بن محمد بن أبي سيف (5) المدائني عن فضيل بن الجعد قال: آكد الأسباب كان في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين عليه السلام أمر المال فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف ولا عربيا على عجمي، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك، ولا يستميل أحدا إلى نفسه، وكان معاوية بخلاف