ذلك، فترك الناس عليا والتحقوا بمعاوية، فشكا علي عليه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه (1) وفرار بعضهم إلى معاوية، فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل الكوفة وأهل الشام بأهل البصرة وأهل الكوفة ورأي الناس واحد وقد اختلفوا بعد وتعادوا، وضعفت النية وقل العدد، أنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة (2)، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به، واغتموا من العدل إذ صاروا فيه، و رأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، وقل من ليس للدنيا بصاحب، وأكثرهم يجتوي (3) الحق ويشتري الباطل، ويؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال، وتصفوا نصيحتهم، و يستخلص ودهم، صنع الله لك يا أمير المؤمنين وكبت أعداءك وفض جمعهم وأوهن كيدهم وشتت أمورهم " إنه بما يعملون خبير " فقال علي عليه السلام: أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل فإن الله عز وجل يقول: " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد " (4) وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف، وأما ما ذكرت من أن الحق ثقيل عليهم (5) ففارقونا بذلك فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور، ولا لجؤوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كان قد فارقوها، وليسألن يوم القيامة: للدنيا أرادوا أم لله عملوا، وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نوفي أحدا (6) من الفئ أكثر من حقه، وقد قال الله سبحانه وقوله الحق:
(١٣٤)