بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣١ - الصفحة ٢٤٧
فقتل المرأة (1) لجهله لحكم الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل:
(١) وقد أخرجها مالك في الموطأ ٢ / ١٧٦، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٤٤٢، وابن عبد البر في كتاب العلم: ١٥٠، وابن كثير في تفسيره ٤ / ١٥٧، وابن الربيع في تيسر الوصول ٢ / ٩، والعيني في عمدة القاري ٩ / ٢، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٤٠، وغيرهم وذلك بأسانيد متعددة ومضامين متقاربة، وفي بعضها: فامر بها عثمان أن ترد فوجدت قد رجمت!.
أقول: ولنستدرك المقام بموارد من جهل الخليفة، وهي غيض من فيض، سواء بكتاب الله أو سنة نبيه صلوات الله عليه وآله أو أمور لغوية وأخرى عرفية، أو ما ابتدعه أو اجتهده خلافا للنص، وقد سلف بعض منه وسيأتي آخر البحث الشئ الكثير.
منها: ما ذكره ملك العلماء في بدائع الصنائع ١ / ١١١ من: أن عمر ترك القراءة في المغرب في إحدى الأوليتين قضاها في الركعة الأخيرة وجهر، وعثمان ترك القراءة في الأوليتين في صلاة العشاء فقضاها في الأخيرتين وجهر، و نظيره في صفحة: ١٧٢. وقد - تقدم في مطاعن عمر - وبذا خرج الخليفتان بهذه الفضيحة عن السنة الثابتة الصريحة من ناحيتين: الأولى: الاجتراء بركعة. وقد ذكر شيخنا الأميني في غديره ٨ / ١٧٣ - ١٨٤ جملة من الروايات وكثير من المصادر لاثبات هذه السنة عن طريقهم، وإن من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة له، وإن الأمة مطبقة على أن تدارك الفائتة من قراءة ركعة في ركعة أخرى لم يرد في السنة النبوية، وإن رأي الرجلين غير مدعوم بحجة ولا يعمل به ولا يعول عليه، ولا يستن به أحد من رجال الفتوى قط، والحق أحق أن يتبع.
ومنها: إنه أوجب كون دية الذمي مثل دية المسلم، وكون عقل الكافر كعقال المؤمن، بل إنه قد هم بقتل مسلم قودا بذمي، كما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٨ / ٣٣، والشافعي في كتاب الام ٧ / ٢٩٣، وانظر ما جاء في كتاب الديات لأبي عاصم الضحاك: ٧٦، مع إجماع السلف والخلف بل قامت عليه ضرورة الدين أنه لا يقتل مؤمن بكافر. و أخرج البيهقي - أيضا - أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا ورفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم، مع أن دية المعاهد نصف دية المسلم.
ومنها: ما جاء في صحيح مسلم ١ / ١٤٢، وقريب منه في صحيح البخاري ١ / ١٠٩ من أن عثمان ذهب إلى أن الرجل لو جامع امرأته ولم يمني فلا غسل عليه، وادعى أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد فصل القول فيه إمام الحنابلة في مسنده ١ / ٦٣، ٦٤، والبيهقي في السنن الكبرى ١ / ١٦٤ - ١٦٥ وغيرهم. مع أن الاجماع قائم من المسلمين كافة على أنه إذا التقى الختان بالختان وجب الغسل أنزل أم لم ينزل، وأن المراد بالجنابة لغة هي الجماع وإن لم يكن ماء دافق، وبه أوجبوا إجراء حد الزنا وتمام المهر وغيرهما من الاحكام. وها هو كتاب الله ناطق بالحكم، وهناك روايات مستفيضة عن رسول الله (ص) صريحة في ذلك، كما في صحيح البخاري ١ / ١٠٨، وصحيح مسلم ١ / ١٤٢ - ١٤٣، وسنن الدارمي ١ / ١٩٤، وسنن البيهقي ١ / ١٦٣ - ١٦٥، ومسند أحمد بن حنبل ٢ / ٢٣٤، ٣٤٧، ٣٩٣، ٦ / ١١٦، والمحلى لا بن حزم ٢ / ٢ و ٣، ومصابيح السنة ١ / ٣٠، وتفسير القرطبي ٥ / ٢٠٠، والموطأ ١ / ٥١، وكتاب الام للشافعي ١ / ٣١، ٣٣، وصحيح الترمذي ١ / ١٦ وغيرهم، وعليه فهو إما جاهل أو وضاع مفتر أو هما معا، كما هو ظاهر.
ومنها: ما أخرجه البلاذري في الأنساب ٥ / ٢٦، عن الزهري من: أن عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة، وأورده ابن حزم في المحلى ٥ / ٢٢٧، وأنكر عليه بقول رسول الله صلى الله عليه وآله:
عفوت لكم عن صدقه الخيل والرقيق، بل هناك نصوص صريحة من طريقهم على عدم الزكاة على الخيل والرقيق تجد بعضها في صحيح البخاري ٣ / ٣٠،، صحيح مسلم ١ / ٣٦١، سنن الترمذي ١ / ٨٠ سنن أبي داود ١ / ٢٥٣، سنن ابن ماجة ١ / ٥٥٥ - ٥٥٦، سنن النسائي ٥ / ٣٥ - ٣٧، السنن الكبرى ٤ / ٨٥ - ٩٠ و ١١٧، مسند أحمد ١ / ٦٢، ٢١٢، ١٣٢، ١٤٥، ١٤٦، ١٤٨ و ٢ / ٢٤٣ وغيرها، والام للشافعي ٢ / ٢٢، وموطأ مالك ١ / ٢٠٦، وأحكام القرآن للجصاص ٣ / ١٨٩، والمحلى لابن حزم ٥ / ٢٢٩، وعمدة القاري للعيني ٤ / ٣٨٣، مستدرك الحاكم ١ / ٣٩٠ - ٣٩٨.
ومنها: ما أخرجه إمام الحنابلة في مسنده ١ / ١٠٤، وابن كثير في تفسيره ١ / ٤٧٨، والهندي في كنز العمال ٣ / ٢٢٧ وغيرهم باسنادهم من أن يحيس وصفية كانا من سبي الخمس، فزنت صفية برجل من الخمس وولدت غلاما فادعى الزاني ويحيس فاختصما إلى عثمان، فرفعهما عثمان إلى علي ابن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر، وجلد هما خمسين خمسين.
وهذا جهل بالحكم ومخالفة لصريح الكتاب ومستفيض سنة رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومنها: ما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٤١٧، عن أبي عبيدة، قال: أرسل عثمان إلى أبي يسأله عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة.. وهي صريحة بجهله بالحكم وأخذه بفتيا غيره، والذي علمه أولى منه.
وجاء في كتاب اختلاف الحديث للشافعي - هامش الام - ٧ / ٢٢ أنه قد: أخبرت الفريعة بنت مالك عثمان بن عفان أن النبي (ص) أمرها أن تمكث بيتها وهي متوفى عنها حتى يبلغ الكتاب أجله، فاتبعه وقضى به. وهي من الاحكام التي جهلها واتبع فيها قول امرأة، والقصة مشهورة قال عنها ابن القيم: حديث صحيح مشهور، انظر: الرسالة للشافعي: ١١٦، كتاب الام له ٥ / ٢٠٨، موطأ مالك ٢ / ٣٦، سنن أبي داود ١ / ٣٦٢، سنن البيهقي ٧ / ٤٣٤، أحكام القرآن للجصاص ١ / ٤٩٦، زاد المعاد ٢ / ٤٠٤، الإصابة ٤ / ٣٨٦، نيل الأوطار ٧ / ١٠٠ وغيرها.
ومنها: ما أخرجه مالك في الموطأ ٢ / ١٠ باسناده: أن رجلا سال عثمان بن عفان، عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما؟. فقال عثمان: أحلتهما آية، فاما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك. قال: فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فسأله عن ذلك، فقال: لو كان لي من الامر شئ ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا. قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب. وعلق ابن عبد البر في كتاب الاستذكار على هذه الرواية بقوله:
إنما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طالب لصحبته عبد الملك بن مروان، وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب!!.
والرواية وردت بمضامين أخرى متقاربة، كما في السنن الكبرى ٧ / ١٦٤، وأحكام القران للجصاص ٢ / ١٥٨، والمحلى لابن حزم ٩ / ٥٢٢، وتفسير الزمخشري ١ / ٣٥٩، وتفسير القرطبي ٥ / ١١٦ - ١١٧، وتفسير الخازن ١ / ٣٥٦، والدر المنثور ٢ / ١٣٦، وتفسير الشوكاني ١ / ٤١٨، وتفسير الرازي ٣ / ١٩٣، وغيرها. وذكرها شيخنا الأميني طاب ثراه في غديره مفصلا ٨ / ٢١٤ - ٢٢٣، فلاحظ.
ومنها: ما ذكره ابن ماجة في سننه ١ / ٦٣٤، وابن كثير في تفسيره ١ / ٢٧٦، والبيهقي في سننه ٧ / ٤٥٠ - ٤٥١، وابن القيم في زاد المعاد ٢ / ٤٠٣، والهندي في كنز العمال ٣ / ٢٢٣، ونيل الأوطار ٧ / 35 وغيرهم - بألفاظ متعددة والمعنى واحد -، عن نافع أنه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان، فجاء معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال:
إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم، أتنتقل؟. فقال له عثمان: تنتقل، ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها، إلا أنها لا تنكح حتى حيضة خشية أن يكون بها حبل!. وهذه مخالفة لصريح قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن...) البقرة: 228، وما تطابقت عليه فتاوى الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم، بل أئمة المذاهب الأربعة على حد تعبير ابن كثير في