إخوانكم هؤلاء المؤمنين لأصدقكم فقد اخبرني جبرئيل (عليه السلام) (1) فقالوا (2): يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنا لما قربنا من العدو بعثنا عينا لنا لنعرف (3) أخبارهم وعددهم لنا فرجع إلينا يخبرنا أنهم قدر ألف رجل وكنا ألفي رجل، وإذا القوم قد خرجوا إلى ظاهر بلدهم في ألف رجل، وتركوا في البلد ثلاثة آلاف يوهموننا (4) أنهم ألف وأخبرنا صاحبنا أنهم يقولون في ما بينهم: نحن ألف وهم ألفان، ولسنا نطيق مكافحتهم، وليس لنا إلا التحاصن (5) في البلد حتى تضيق صدورهم من منازلتنا (6) فينصرفوا عنا فتجرأنا بذلك عليهم وزحفنا إليهم فدخلوا بلدهم وأغلقوا دوننا بابه فقعدنا ننازلهم فلما جن علينا الليل وصرنا إلى نصفه فتحوا باب بلدهم ونحن غارون نائمون ما كان فينا منتبه إلا أربعة نفر: زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي ويقرأ القرآن، وعبد الله بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن، و قتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن، وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن، فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة ورشقونا بنبالهم.
وكان ذلك بلدهم، وهم بطرقه ومواضعه عالمون، ونحن بها جاهلون، فقلنا فيما بيننا دهينا وأوتينا، هذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي النبال، لأنا لا نبصرها، فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوءا خارجا من في قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة، و ضوءا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري، وضوءا خارجا من في عبد الله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة، ونورا ساطعا من في زيد بن الحارثة أضوأ من الشمس الطالعة، وإذا تلك الأنوار قد أضاءت معسكرنا حتى أنه أضوأ من نصف النهار، وأعداؤنا في ظلمة شديدة فأبصرناهم وعموا عنا، ففرقنا زيد عليهم حتى أحطنا بهم ونحن نبصرهم وهم لا يبصروننا، فنحن بصراء وهم عميان فوضعنا عليهم السيوف فصاروا بين قتيل وجريح وأسير، ودخلنا بلدهم فاشتملنا على