ألا أبشرك؟ " قالت: بلى بأبي وأمي (1) يا رسول الله، قال: " إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة " قالت: فأعلم الناس ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي إلى المنبر، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه، فقال: " إن المرء كثير بأخيه (2) وابن عمه، ألا إن جعفرا قد استشهد، وجعل له جناحان يطير بهما في الجنة " ثم نزل صلى الله عليه وآله ودخل بيته، و أدخلني معه، وأمر بطعام يصنع لأجلي، وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء (3) طيبا مباركا، وأقمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أساوم شاه أخ لي، فقال: " اللهم بارك له في صفقته " قال عبد الله: فما بعث شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه.
قال الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة: اذهبي فابكي على ابن عمك فإن لم تدعي بثكل فما قلت فقد صدقت.
وذكر محمد بن إسحاق، عن عروة قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون معه فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فرار فررتم (4) في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليسوا بفرار، ولكنهم الكرار إن شاء الله (5).
بيان: قال الفيروزآبادي: المعان: موضع بطريق حاج الشام، وقال:
مؤتة: موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر بن أبي طالب، وفيه كان تعمل السيوف.
قوله صلى الله عليه وآله: إن المرء كثير (6) لعل المراد بالكثرة هنا العزة كما يكنى عن الذلة بالقلة، أي عزة المرء وكثرة أعوانه إنما يكون بأخيه وابن عمه. قوله:
إن لم تدعي بثكل، أي لا تقولي وا ثكلاه، ثم كل ما قلت فيه من الفضائل فقد صدقت، لكثرة فضائله، وقيل: المعنى لا تقولي إلا صدقا ولا يخفى بعده.