حرفا واحدا، فرجع إليهم فقال: لا والله ما أجابني حرفا واحدا، فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: أنت أقوى عليه، فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما.
صنع بأبي بكر، فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه، فقال عمرو بن العاص: إنه لا ينبغي لنا أن نضيع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلو الوادي، فقال له المسلمون، والله (1) ما نفعل، أمرنا رسول الله أن نسمع لعلي ونطيع، فنترك أمره ونطيع لك ونسمع؟
فلم يزالوا كذلك حتى أحس أمير المؤمنين عليه السلام بالفجر، فكبس القوم وهم غارون (2) فأمكنه الله تعالى منهم، فنزلت على النبي صلى الله عليه وآله " والعاديات ضبحا " إلى آخرها، فبشر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بالفتح، وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين عليه السلام، فاستقبلوه والنبي صلى الله عليه وآله يقدمهم، فقاموا له صفين، فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وآله ترجل عن فرسه (3) فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " اركب فإن الله ورسوله عنك راضيان " فبكى أمير المؤمنين عليه السلام فرحا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " يا علي لولا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك ".
وكان الفتح في هذه الغزاة لأمير المؤمنين عليه السلام خاصة بعد أن كان لغيره فيها من الافساد (4) ما كان، واختص عليه السلام من مديح النبي صلى الله عليه وآله فيها بفضائل لم يحصل منها شئ لغيره، وبان له من المنقبة فيها ما لم يشركه فيه (5) سواه (6).
بيان: المهلبة: ما غلظ من شعر الذنب، وهلبت الفرس: نتفت هلبه فهو مهلوب، ذكره الجوهري، وقال: الخط: موضع باليمامة، تنسب إليه الرماح الخطية، لأنها تحمل من بلاد الهند فتقوم به، ويقال: عكمت المتاع، أي شددته والمراد هنا شد أفواه الدواب لترك صهيلها. قوله: فكبس القوم، أي هجم عليهم.