وقال في قوله تعالى: " ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها " أي بأن نفعل أمرا من الأمور يلجئهم إلى الاقرار بالتوحيد، ولكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف. قال الجبائي ويجوز أن يكون المراد به ولو شئنا لأجبناهم إلى ما سألوا من الرد إلى دار التكليف ليعملوا بالطاعات، ولكن حق القول مني أن أجازيهم بالعقاب ولا أردهم. وقيل:
معناه: ولو شئنا لهديناهم إلى الجنة ولكن حق القول مني أي الخير والوعيد لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي من كلا الصنفين بكفرهم.
وقال في قوله تعالى: " إن الله يسمع من يشاء " أي ينفع بالاسماع من يشاء أي يلطف له ويوفقه " وما أنت بمسمع من في القبور " أي أنك لا تقدر على أن تنفع الكفار بإسماعك إياهم، إذ لم يقبلوا كما لا يسمع من في القبور من الأموات.
وقال في قوله تعالى: " لقد حق القول على أكثرهم " أي وجب الوعيد واستحقاق العقاب عليهم فهم لا يؤمنون ويموتون على كفرهم وقد سبق ذلك في علم الله. وقيل:
تقديره: لقد سبق القول على أكثرهم أنهم لا يؤمنون، وذلك أنه سبحانه أخبر ملائكته أنهم لا يؤمنون، فحق قوله عليهم: " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان " يعني أيديهم كنى عنها وإن لم يذكرها لان الأعناق والاغلال يدلان عليهما، واختلف في معنى الآية على وجوه: أحدها أنه سبحانه إنما ذكره ضربا للمثل، وتقديره: مثل هؤلاء المشركين في إعراضهم عما تدعوهم إليه كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير، ورجل طامح برأسه لا يبصر موطئي قدميه.
وثانيها: أن المعنى كان هذا القرآن أغلالا في أعناقهم يمنعهم عن الخضوع لاستماعه وتدبره لثقله عليهم، وذلك أنهم لما استكبروا عنه وأنفوا من اتباعه وكان المستكبر رافعا رأسه، لاويا عنقه، شامخا بأنفه، لا ينظر إلى الأرض صاروا كأنما غلت أيديهم إلى أعناقهم; وإنما أضاف ذلك إلى نفسه لان عند تلاوة القرآن عليهم ودعوته إياهم صاروا بهذه الصفة.
وثالثها: أن المعني بذلك أناس من قريش هموا بقتل النبي صلى الله عليه وآله فغلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه أبدا.