الداخلة على بعض المبطليين فيها حتى عدلوا بتأويلها عن وجهه وصرفوه عن بابه:
أولها أن الاهلاك قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا فإذا كان مستحقا أو على سبيل الامتحان كان حسنا، وإنما يكون قبيحا إذا كان ظلما فتعلق الإرادة لا يقضي تعلقها به على الوجه القبيح، ولا ظاهر الآية يقتضي ذلك، وإذا علمنا بالأدلة العقلية تنزه القديم تعالى عن القبائح علمنا أن الإرادة لم يتعلق إلا بالاهلاك الحسن. وقوله تعالى:
" أمرنا مترفيها " المأمور به محذوف، وليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق، وإن وقع بعده الفسق، ويجري هذا مجرى قول القائل: أمرته فعصى ودعوته فأبى; والمراد إنني أمرته بالطاعة ودعوته إلى الإجابة والقبول - ويمكن أن يقال على هذا الوجه:
ليس موضع الشبهة ما تكلمتم عليه، وإنما موضعها أن يقال: أي معنى لتقدم الإرادة فإن كانت متعلقة بإهلاك مستحق بغير الفسق المذكور في الآية فلا معنى لقوله تعالى:
" إذا أردنا أمرنا " لان أمره بما يأمر به لا يحسن إرادته للعقاب المستحق بما تقدم من الافعال، وإن كانت الإرادة متعلقة بالاهلاك المستحق بمخالفة الامر المذكور في الآية فهذا هو الذي تأبونه، لأنه يقتضي أنه تعالى مريد لاهلاك من لم يستحق العقاب.
والجواب عن ذلك أنه تعالى لم يعلق الإرادة إلا بالاهلاك المستحق بما تقدم من الذنوب، والذي حسن قوله تعالى: " وإذا أردنا أمرنا " هو أن في تكرر الامر بالطاعة والايمان إعذارا إلى العصاة وإنذارا لهم، وايجابا واثباتا للحجة عليهم حتى يكونوا متى خالفوا وأقاموا على العصيان والطغيان بعد تكرر الوعيد والوعظ والانذار ممن يحق عليه القول وتجب عليه الحجة، ويشهد بصحة هذا التأويل قوله تعالى قبل هذه الآية: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ".
والثاني أن يكون قوله تعالى: " أمرنا مترفيها " من صفة القرية وصلتها، ولا يكون جوابا لقوله: " وإذا أردنا " ويكون تقدير الكلام: وإذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، ويكون إذا على هذا الجواب لم يأت له جواب ظاهر في الآية للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه، ونظير هذا قوله تعالى في صفة الجنة: