يختص بها بعض العباد، إما لاستحقاق أو لسبب يقتضي الاختصاص، فإذا حملنا قوله: إلا من رحم ربك على النعمة بالثواب فالاختصاص ظاهر لان النعمة به لا تكون إلا مستحقة فمن استحق الثواب بأعماله وصل إلى هذه النعمة، ومن لم يستحقه لم يصل إليها و إن حملنا الرحمة في الآية على النعمة بالتوفيق للايمان واللطف الذي وقع بعده فعل الايمان كانت هذه النعمة أيضا مختصة لأنه تعالى إنما لم ينعم على سائر المكلفين بها من حيث لم يكن في معلومه أن لهم توفيقا، وأن في الافعال ما يختارون عنده الايمان فاختصاص هذه النعمة ببعض العباد لا يمنع من شمول نعم آخر لهم كما أن شمول تلك النعم لا يمنع من اختصاص هذه. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وقال الزمخشري: ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأول وتضمنه، يعني و لذلك التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره، وتمت كلمة ربك وهي قوله للملائكة:
" لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " لعلمه بكثرة من يختار الباطل. (1) وقال في قوله تعالى: أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله يعني مشية الالجاء والقسر لهدى الناس جميعا ومعنى " أفلم ييئس ": أفلم يعلم; قيل: هي لغة قوم من النخع، وقيل: إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لان اليائس عن الشئ عالم بأنه لا يكون كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك، ويدل عليه أن عليا وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤوا أفلم يتبين وهو تفسير أفلم ييأس ويجوز أن يتعلق أن لو يشاء بآمنوا أي أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولهداهم.
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الغرر والدرر: قال الله جل من قائل:
" وإذا أردنا أن نهلك قرية " الآية، في هذه الآية وجوه من التأويل كلها منها يبطل الشبهة