بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٦
في قلوبهم أكنة ليقطعهم عن مرادهم، وذلك بعد ما بلغهم ما تقوم به الحجة وتنقطع به المعذرة، وبعدها علم الله تعالى أنهم لا ينتفعون بسماعه ولا يؤمنون به، فشبه إلقاء النوم عليهم بجعل الغطاء على قلوبهم، وبوقر آذانهم لان ذلك كان يمنعهم من التدبر كالوقر والغطاء، وهذا معنى قوله تعالى: " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " ويحتمل ذلك وجها آخر وهو أنه تعالى يعاقب هؤلاء الكفار الذين علم أنهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم تكون موانع من أن يفقهوا ما يستمعونه; ويحتمل أيضا أن يكون سمي الكفر الذي في قلوبهم كنا تشبيها ومجازا وإعراضهم عن القرآن وقرا توسعا لان مع الكفر والاعراض لا يحصل الايمان والفهم، كما لا يحصلان مع الكن والوقر، ونسب ذلك إلى نفسه لأنه الذي شبه أحدهما بالآخر كما يقول أحدنا لغيره إذا أثنى على إنسان وذكر مناقبه: جعلته فاضلا، وبالضد إذا ذكر مقابحه وفسقه يقول: جعلته فاسقا، (1) وقال الزمخشري في قوله تعالى: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى " أي بأن يأتيهم بآية ملجئة، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة.
وقوله تعالى: " ليمكروا فيها " قال الطبرسي رحمه: اللام: لام العاقبة، وقال الزمخشري: معناه خليناهم ليمكروا وما كففناهم عن المكر; وكذا قال: اللام لام العاقبة في قوله تعالى: " ليقولوا " أي عاملناهم معاملة المختبر ليشكروا أو يصبروا فآل أمرهم إلى هذه العاقبة.
وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم " وجهين:

(١) أوردنا قبلا معنى الآية عن التبيان. ولنذكر هنا ما عن الرضى رحمه الله في كتابه مجازات القرآن قال: وهذه استعارة وليس هناك على الحقيقة شئ مما أشاروا إليه، وإنما أخرجوا هذا الكلام مخرج الدلالة على استثقالهم ما يسمعونه من قوارع القرآن وبواقع البيان فكأنهم من قوة الزهادة فيه وشدة الكراهية له قد وقرت أسماعهم عن فهمه، وأكنت قلوبهم دون علمه، وذلك معروف في عادة الناس أن يقول القائل منهم لمن يشنأ كلامه ويستثقل خطابه: ما أسمح قولك ولا أعي لفظك وإن كان صحيح حاسة السمع، الا أنه حمل الكلام على الاستثقال والمقت، وعلى هذا قول الشاعر:
وكلام سيئ قد وقرت * إذني عنه وما بي من صمم.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331