من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا، وإذا قلنا: أنه وصف حالهم في الآخرة فالكلام على حقيقته، ويكون عبارة عن ضيق المكان في النار بحيث لا يجدون متقدما ولا متأخرا إذ سد عليهم جوانبهم، وإذا حملناه على صفة القوم الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه وآله فالمراد جعلنا بين أيدي أولئك الكفار منعا ومن خلفهم منعا حتى لم يبصروا النبي صلى الله عليه وآله، وقوله: " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " أي أغشيناهم أبصارهم فهم لا يبصرون النبي صلى الله عليه وآله.
وقيل: أي فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى. وقيل: فأغشيناهم بالعذاب فهم لا يبصرون في النار، وقيل: معناه أنهم لما انصرفوا عن الايمان والقرآن لزمهم ذلك حتى لا يكادوا يتخلصون منه بوجه كالمغلول والمسدود عليه طرقه.
وقال في قوله تعالى: " ومن يضلل الله " أي عن طريق الجنة " فماله من هاد " أي لا يقدر على هدايته أحد، وقيل من ضل عن الله ورحمته فلا هادي له، يقال: أضللت بعيري إذا ضل. وقيل: معناه: من يضلله عن زيادة الهدى والالطاف لان الكافر لا لطف له.
وقال في قوله تعالى: " أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين " أي كراهة أن تقول: لو أراد الله هدايتي لكنت ممن يتقي معاصيه. وقيل: إنهم لما لم ينظروا في الأدلة واشتغلوا بالدنيا توهموا أن الله لم يهدهم فرد الله عليهم بقوله: " بلى قد جائتك آياتي " الآية.
وقال الزمخشري: " وقيضنا له ": وقدرنا لهم، يعني لمشركي مكة " قرناء " أخدانا (1) من الشياطين من جمع قرين كقوله: " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " (2) فإن قلت: كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم؟ قلت: معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين، والدليل عليه ومن يعش نقيض.
" ما بين أيديهم وما خلفهم " ما تقدم من أعمالهم وما هم عازمون عليها، أوما بين أيديهم