" حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها " إلى قوله: " فنعم أجر العاملين " ولم يأت لاذا جواب في طول الكلام للاستغناء عنه.
والثالث أن يكون ذكر الإرادة في الآية مجازا واتساعا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبة أمرهم وأنهم متى أمروا فسقوا وخالفوا، ويجري ذكر الإرادة ههنا مجرى قولهم: إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل جهة وجاءه الخسران من كل طريق، وقولهم: إذا أراد العليل أن يموت خلط في مأكله وتسرع إلى كل ما تتوق إليه نفسه، ومعلوم أن التاجر لم يرد في الحقيقة شيئا، ولا العليل أيضا لكن لما كان المعلوم من حال هذا الخسران ومن حال ذاك الهلاك حسن هذا الكلام، واستعمل ذكر الإرادة لهذا الوجه مجازا، وكلام العرب وحي وإشارات واستعارة و مجازات، ولهذه الحال كان كلامهم في المرتبة العليا من الفصاحة، فإن الكلام متى خلا من الاستعارة وجرى كله على الحقيقة كان بعيدا من الفصاحة بريئا من البلاغة، وكلام الله تعالى أفصح الكلام.
الرابع أن تحمل الآية على التقديم والتأخير فيكون تلخيصها: وإذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة فعصوا واستحقوا العقاب أردنا إهلاكهم، والتقديم والتأخير في الشعر وكلام العرب كثير; ومما يمكن أن يكون شاهدا بصحة هذا التأويل من القرآن قوله تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم (1) والطهارة إنما تجب قبل القيام إلى الصلاة، وقوله تعالى: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك " (2) وقيام الطائفة معه يجب أن يكون قبل إقامة الصلاة، لان إقامتها هو الاتيان بجميعها على الكمال، فأما قراءة من قرأ بالتشديد فقال: أمرنا وقراءة من قرأ بالمد والتخفيف فقال: أمرنا فلن يخرج معنى قراءتهما عن الوجوه التي ذكرناها إلا الوجه الأول، فإن معناه لا يليق إلا بأن يكون ما تضمنته الآية هو الامر الذي يستدعي به الفعل انتهى.
وقال الطبرسي رحمه الله: وقرأ يعقوب: أمرنا بالمد وهو قراءة علي بن أبي طالب